للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاقتباس من القرآن، أنواعه، وأحكامه

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز - يا شيخ - أن نقتبس من القرآن الكريم بعض جمل وفقرات واستخدامها في الحياة العامة؟ مثلاً: يقول لي صديقي: " تعال نأكل في هذا المطعم "، أقول له: " أكل المطاعم لا يسمن ولا يغني من جوع "، ومثال آخر: يطلب مني صديق أن أخبره بشيء، فأقول له: " انتظر حتى أحدث لك منه ذِكراً ".]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الاقتباس في اللغة: هو طلب القَبَس، وهو الشعلة من النار، ويستعار لطلب العلم، قال الجوهري في " الصحاح ": اقتبست منه علما: أي استفدته.

وفي الاصطلاح: تضمين المتكلم كلامه - شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن، أو الحديث، على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث.

"الموسوعة الفقهية" (٦/١٦، ١٧) .

ثانياً:

أنواع الاقتباس:

في " الموسوعة الفقهية " (٦ / ١٦، ١٧) :

الاقتباس على نوعين:

أحدهما: ما لم ينقل فيه المقتبَس (بفتح الباء) عن معناه الأصلي، ومنه قول الشاعر:

قد كان ما خفت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا

وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير؛ لأن الآية (وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة/١٥٦.

والثاني: ما نقل فيه المقتبَس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي:

لئن أخطأتُ في مدحِـ ك ما أخطأتَ في منعي

لقد أنزلتُ حاجاتي " بوادٍ غير ذي زرع "

فقوله " بواد غير ذي زرع ": اقتباس من القرآن الكريم، فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة "، إذ لا ماء فيها ولا نبات، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي، هو: " لا نفع فيه ولا خير ".

ثالثاً:

حكم الاقتباس:

جاء في "الموسوعة الفقهية" (٦ / ١٧، ١٨) : " يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسيناً للكلام، أما إن كان كلاماً فاسداً: فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة، وأهل المجون، والفحش.

قال السيوطي: لم يتعرض له المتقدمون، ولا أكثر المتأخرين من الشافعية، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم، واستعمال الشعراء له قديماً، وحديثاً، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ العز بن عبد السلام فأجازه، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها: (وجهت وجهي ... إلخ) ، وقوله: (اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر) .

وفي سياق الكلام لأبي بكر ... " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".

وفي حديث لابن عمر ... " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

وقد اشتهر عند المالكية تحريمه، وتشديد النكير على فاعله، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه، وبين النثر فأجازه، وممن استعمله في النثر من المالكية: القاضي عياض، وابن دقيق العيد، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية.

ونقل السيوطي عن " شرح بديعية " ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام:

الأول: مقبول، وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود.

والثاني: مباح، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص.

والثالث: مردود، وهو على ضربين.

أحدهما: اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه، بأن ينسبه المقتبِس إلى نفسه، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله: " إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم "!! .

والآخر: تضمين آية في معنى هزل، أو مجون.

قال السيوطي: وهذا التقسيم حسن جدّاً، وبه أقول " انتهى.

وبهذا التقسيم الأخير يقول العلماء المحققون، وليس ثمة فرق بين الشِّعر والنثر عندهم.

١. سئل علماء اللجنة الدائمة عن: استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء، مثال: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) الحاقة/٣٠، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ) عبس/٤٠، (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) الفتح/٢٩، هل يجوز استعمال هذه الآيات في المزاح ما بين الأصدقاء؟ .

فأجابوا: " لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح على أنها آيات من القرآن، أما إذا كانت هناك كلمات دارجة على اللسان لا يقصد بها حكاية آية من القرآن أو جملة منه: فيجوز.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٤ / ٨٢، ٨٣) .

٢. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً –: ما حكم تأول القرآن عندما يعرض لأحد منَّا شيءٌ من أمور الدنيا، كقول أحدنا عندما يحصل عليه شدة، أو ضيق: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) مريم/٨٣.

عندما يلاقي صاحبه: (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) طه/٤٠.

عندما يحضر طعام: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة/٢٤.

إلى آخر ما هنالك مما يستعمله بعض الناس اليوم؟ .

أجابوا: " الخير في ترك استعمال هذه الكلمات وأمثالها فيما ذكر؛ تنزيهاً للقرآن، وصيانة له عما لا يليق.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٤ / ٨١، ٨٢) .

٣. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: كثيراً ما يتناقل بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم آيات من القرآن الكريم، أو من السنَّة على سبيل المزاح، مثاله: كأن يقول بعضهم: فلان (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) الشمس/١٣، أو قول بعضهم للبعض: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون/ ٦، واليوم رأينا نون وما يعلمون، وهكذا، ومن السنَّة: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية: يا أخي (التقوى هاهنا) ، أو قوله: (إن الدين يسر) وهكذا.

فما قولكم في أمثال هؤلاء؟ وما نصيحتكم لهم؟ .

فأجاب: " أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية: فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام؛ لأن القرآن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يُتخذ هزواً، وكذلك الأحكام الشرعية، كما قال الله تبارك وتعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/٦٤ – ٦٦.

ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحاً: فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً.

أما من استشهد بآية على واقعة جرت وحدثت: فهذا لا بأس به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بالآيات على الوقائع، فاستشهد بقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) التغابن/١٥، حينما جاء الحسن والحسين يتعثران في أثوابهما، فنزل من المنبر صلى الله عليه وسلم، وقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة) التغابن/١٥، فالاستشهاد بالآيات على الوقائع: لا بأس به، وأما أن تنزّل الآيات على ما لم يُرد الله بها - ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء -: فالأمر خطير جدّاً " انتهى.

"لقاءات الباب المفتوح" (٦٠/السؤال الأول) .

٤. وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله –: نسمع كثيراً من الإخوان يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة، كقوله تعالى: (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ)

الغاشية/٧، وقوله: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) طه/٥٥.

فهل هذا جائز أم لا؟ وإذا كان جائزاً: ففي أي الحالات يمكن ذكرها وترديدها؟ .

فأجاب: " لا بأس بالتمثل بالقرآن الكريم إذا كان لغرض صحيح، كأن يقول: هذا الشيء لا يُسمن، ولا يُغني من جوع، أو يقول: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) طه/٥٥، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض، وأنه خلق منها، ويعود إليها بعد الموت ثم يبعثه الله منها، فالتمثل بالقرآن الكريم إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء: لا بأس به، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء: فهذا يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأن من استهزأ بالقرآن الكريم أو بشيء من ذكر الله عز وجل، وهزل بشيء من ذلك: فإنه يرتد عن دين الإسلام، كما قال تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/٦٥، ٦٦، فيجب تعظيم القرآن واحترامه " انتهى.

"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (٢ /٧٩) .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (١٠٣٩٢٣) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>