للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم التمادح برسائل الجوال المبالغ فيها

[السُّؤَالُ]

ـ[الرسائل المبالغ فيها التي نرسلها لمجرد الإرسال وللرد على رسائلهن برسائل شعرية وتكون فيها مبالغة في الكلام هل يعد من النفاق؟ وهل إذا أكثرت من الرسائل وصرف رصيد جوالي لدرجة ينقضي شحن الجوال بسبب الرسائل يعد إسرافاً؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

دين الله عز وجل دين وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط، والاعتدال في كل شيء خير.

وقد وصف الله تعالى عباده بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/٦٧، وقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/٢٩.

فتجاوز الحد في الرسائل هو من الإسراف المذموم المنهي عنه، ومن تأمل كثيراً من الرسائل المتداولة لوجدها لا فائدة منها، وكثير من المرسل إليهم لا يقرؤونها، بل يحذفونها بمجرد أن تقع أعينهم عليها.

ثانياً:

أما رسائل المدح المبالغ فيها، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مدح الشخص، وذم المداحين، فكيف بالمبالغة في مدحه!

وسبب هذا النهي: أنه قد يكون سبباً في إعجاب الممدوح بنفسه، أو تكبره، فيهلك بسبب ذلك.

روى مسلم (٣٠٠٢) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ) .

وروى البخاري (٦٠٦١) ومسلم (٣٠٠٠) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا) .

قال الحافظ:

" قَالَ اِبْن بَطَّال: حَاصِل النَّهْي: أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْح آخَر بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَن عَلَى الْمَمْدُوح الْعُجْب لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة , فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَل وَالِازْدِيَاد مِنْ الْخَيْر اِتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ

وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي " الْإِحْيَاء ": آفَة الْمَدْح فِي الْمَادِح أَنَّهُ قَدْ يَكْذِب، وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوح بِمَدْحِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا " انتهى.

وروى الإمام أحمد (١٦٣٩٥) وابن ماجه (٣٧٤٣) عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.

قال المناوي:

" لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح، وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى، وفي رواية: (فإنه من الذبح) وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل والمدح يوجب الفتور، أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح، فلذلك شبه به. قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم، وطلبه للشكر ظلم، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير " انتهى.

"فيض القدير" (٣/١٢٩) .

أما قولك: هل يعد ذلك من النفاق؟

فالجواب: إذا كان المدح فيه شيء من الكذب فهو من صفات المنافقين، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) متفق عليه.

وروى الترمذي (٢٠٢٧) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

قال المناوي:

" البيان: فصاحة اللسان، والمراد: ما فيه إثم منها كهجو أو مدح بغير حق.

(شعبتان من النفاق) أي: هما خصلتان منشؤهما النفاق أو مؤديان إليه. وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلف للناس بكثرة التملُّق والثناء عليهم وإظهار التفصُّح، وذلك ليس من شأن أهل الإيمان. وقد يتملق الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته " انتهى.

"التيسير بشرح الجامع الصغير" (١/ ١٠٣٦) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>