تدهورت صحته وساءت أحواله المادية ويريد النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من اكتئاب شديد؛ فقد كنت أتمتع بصحة جيدة، وحياة مستقرة، ولكن فجأة تغير كل شيء؛ فأنا الآن مريض، وليس لدي عمل جيد، وقد كنت أعتني بوالدَيَّ جيدا، ولكني الآن لا أستطيع أن أرسل إليهم أية أموال، وقد شرع والدي المسن في القيام بعمل شاق حتى يحصل على الرزق!! صدقني يا أخي؛ فلدي مخاوف عديدة من الناحية الصحية الآن، وأنا متأكد من أن صحتي ليست على ما يرام، ولكن قبل أن أذهب للطبيب أود أن أدعو الله أن يحفظني من الأمراض الخطيرة. وعموما، فإنني أفقد كل شيء، وأمر بوقت عصيب؛ فرجاء أمدوني ببعض النصائح الإسلامية التي من الممكن أن تساعدني في التغلب على مشكلاتي. أنا أداوم على استغفار الله عن ذنوبي وأخطائي، جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنك أخي السائل ما تجده من مرض، ويوسع عليك ما أنت فيه من الضيق، ويبدلك من همك وغمك فرحا ونعيما وسرورا وقرة عين!!
وقد أحسنت غاية الإحسان في مداومتك على الاستغفار، فإنه من أعظم الأسباب لجلب المحبوب ودفع المكروه، كما قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح /١٠-١٢
ونحن نوصيك بجملة من الوصايا:
أولها: التوجه إلى الله تعالى والتضرع بين يديه سبحانه ليرفع عنك ما نزل بك من مكروه فهو سبحانه وحده القادر على ذلك، كما قال جل شأنه: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) الأنعام/١٧، والدعاء شأنه عظيم وربما كانت المصائب سبباً لفتح باب المناجاة بين العبد وربه، حتى إن العبد ربما استغرق في مناجاته لربه، وأنس بها، وذاق حلاوتها، حتى نسي كل ما يجده من الآلام، وهذا من لطف الله الخفي بعبده، وهو الرحيم الودود سبحانه.
ثانيها: أحسن الظن بربك سبحانه، فهو أهل لكل جميل، وبدلا من أن تتوقع الشر، وتنتظر البلاء، علق رجاءك بربك أن يلطف بك، ويصلح شأنك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي) رواه البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥) واللفظ له.
وإذا كنت قد ذكرت أنك تكثر الاستغفار من ذنوبك وأخطائك، فننبهك إلى أن من هذه الأخطاء التي تحتاج إلى الاستغفار والتوبة منها: ظن السوء برب العالمين، الرحيم الودود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فمثل هذه الحال تعرض لمن تعرض له، فيبقى فيه نوع مغاضبة للقدر ومعارضة له، فى خلقه وأمره، ووساوس فى حكمته ورحمته، فيحتاج العبد أن ينفى عنه شيئين: الآراء الفاسدة، والآهواء الفاسدة؛ فيعلم أن الحكمة والعدل فيما اقتضاه علمه وحكمته، لا فيما اقتضاه علم العبد وحكمته، ويكون هواه تبعا لما أمرالله به، فلا يكون له مع أمر الله وحكمه هوى يخالف ذلك " انتهى، مجموع الفتاوى (١٠/٢٨٨) .
ثالثها: الأخذ بالأسباب المادية لدفع ما تعانيه، فتتداوى من المرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) رواه أبو داود (٣٨٧٤) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٦٣٣) .
وتحاول دفع الاكتئاب عن نفسك بشغلها بما ينفعك من أمر الدين والدنيا؛ فنظم أوقاتك وحاول ملأها بالنافع، بجعل جزءٍ من وقتك للبحث عن الرزق، وآخر لممارسة الرياضة، وثالث للمطالعة والقراءة، ورابع لحضور مجالس الذكر والعلم، وهكذا.
رابعها: نقول: لا تحمل هم الرزق، فإن الله عز وجل قد قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فليس همك بمغير شيئاً من أقدار الله، وما قد كتبه الله لك سيأتيك، وما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب المباحة شرعاً، والتي في مقدورك القيام بها؛ وتذكر دائماً قول الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:٦) ، وقوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذريات:٢٢) وقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:٢-٣) خامساً: نوصيك بأن تنظر إلى من هو دونك، فقلب بصرك وبصيرتك في أحوال المصابين لترى قدر نعمة الله عليك، إذ لو فعلت ذلك فإنك ستعلم أنك مهما أصبت فإنك في عافية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَلَيْكُمْ)
رواه البخاري (٦٤٩٠) ومسلم (٢٩٦٣) واللفظ له.
سادساً: نقول لك أيها الأخ الكريم: لقد أحسنت غاية الإحسان باعتنائك بوالديك والإحسان إليهما، وهذا من حقهما عليك، والله لا يضيع أجر المحسنين، وإن عجزت عن نفقتهما في حال مرضك أو ضيق رزقك، فليس عليك في ذلك حرج، والله عز وجل سيأجرك بنيتك، وسيديم عليك ـ في أثناء مرضك ـ أجر العمل الذي كنت تعمله حال الصحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) ، رواه البخاري (٢٩٩٦)
وعليك أن تبر والديك الآن بما تقدر عليه، ولا تحقرن من المعروف شيئا، فإن لم تجد فداوم الاتصال بهما، والاعتناء بشأنهما، واعتذر لهما بما أنت فيه من الحال.
والوالد سيجعل الله له فرجاً وسيتولى عونه فأكثر من الدعاء له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب