للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كانت متدينة فتزوجت وانقلب حالها فتركت الصلاة!

[السُّؤَالُ]

ـ[منذ صغري وأنا مولعة بالدين، كثيرة الصلاة، دائمة التعبد، لدرجة الإدمان، لكن بعد زواجي تركت الصلاة لكثرة الجماع ومشقة الغسل، وقد مرَّ على زواجي ٦ سنوات، وأصبح لي بنتان، وكثرت المسؤولية، وكرهت نفسي، لا تعلم كم أنا ضائعة، أستحلفك بالله أن تساعدني. جزاك الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

بل نعلم كم أنتِ ضائعة! ونعلم أنكِ أوبقتِ نفسك، وسلكتِ طريق المهالك، ولا ندري كيف وصل الحال بك لهذا وأنت تصفين نفسك بأنكِ كنتِ مولعة! بالدين، ومدمنة! على العبادة، والأصل فيمن كان هذا حاله أن يزداد قرباً من ربه، وأن يتعلق قلبه بالإسلام أكثر، وأن يصبح ويمسي وهو يشتاق للجنة ولقاء الله تعالى، لا أن ينقلب على عقبيه، وينتكس بعد الهداية.

وما تذكرينه من أعذار ليس بشيء، فكثرة الجماع والاغتسال لا تمنع من إقامة الصلاة، وكثرة المسئوليات لا تجعل المرء يرضى لنفسه الخروج من الإسلام لأجل تحملها، ولو تأملتِ في النساء حولك لرأيت من عندها عشرة من الأولاد أو أقل أو أكثر، ولم يعقها ذلك عن إقامة الصلاة، والقيام بحقوق الزوج، وتربية أولادها، والأمر يرجع إلى الإنسان نفسه، فأي طريق رضي سلوكها فقد رضيها طريقاً، ورضي بعواقبها، وهل كنتِ تعتقدين أن من ترك الصلاة أنه سيثاب، ويُعان، وتَدخل السعادة لحياته؟! بل لا ينتظر هذا إلا الشقاء والبؤس والحرمان من السعادة والتخلي عن إعانته، ولن يكون مصيره في الآخرة إذا مات على هذا إلا النار – والعياذ بالله -.

إنهما صورتان متضادتان، في الفعل، وفي الحكم، الأولى: لمن آمن وعمل صالحاً، والثانية لمن أعرض عن ذكر الله، فالأولى: وعد الله تعالى أصحابها بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، والثانية: توعَّد الله تعالى عليها بالشقاء والضنك في الدنيا والآخرة.

في الأولى قال ربنا تبارك وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ ٩٧

وفي الثانية قال ربنا تبارك وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ ١٢٤.

وأنتِ قد اخترتِ بملء إرادتك الطريق الثانية، فرأيتِ الضياع، والضنك، وهذا كله يهون في مقابل ما توعدك الله عليه في الآخرة!

قال ابن القيم – رحمه الله -:

والمقصود: أن الله سبحانه أخبر أن من أعرض عن ذكره - وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى -: بأن له معيشة ضنكاً، وتكفل لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة، ويجزيه أجره في الآخرة، فقال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فأخبر سبحانه عن فلاح من تمسك بعهده علما وعملا، في العاجلة بالحياة الطيبة، وفي الآخرة بأحسن الجزاء، وهذا بعكس من له المعيشة الضنك في الدنيا، والبرزخ، ونسيانه في العذاب بالآخرة، وقال سبحانه: (ومَن يَعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين. وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين، وضلاله به: إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيَّض له شيطاناً يقارنه، فيصده عن سبيل ربه، وطريق فلاحه، وهو يحسب أنه مهتد، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه، وعاين هلاكه وإفلاسه: قال: (يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين) وكل مَن أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله: فلا بدَّ أن يقول هذا يوم القيامة.

" مفتاح دار السعادة " (١ / ٤٣، ٤٤) .

فها هما الطريقان أمامكِ، اختاري أيهما شئتِ، وعلى حسب اختيارك تكون العاقبة، في الدنيا والآخرة.

واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، ويترتب على ذلك فسخ عقد الزوجية، وعدم توريثك من أهلك المسلمين شيئاً، وعدم الصلاة عليكِ بعد الموت، ولا دفنك في مقابر المسلمين، نعم، هذه هي أحكام المرتدين، الذين أنعم الله عليهم بالهداية للإسلام، فذاقوا طعم الإسلام، وحلاوة الإيمان، ثم رضوا لأنفسهم بالكفر والردة عن الدين.

ولا نجد ما ننصحك به إلا سلوك طريق الإيمان، وهو طريق السعادة في دنياكِ وأخراكِ، واستعيني بالله تعالى على القيام بواجباتك تجاه زوجك وأسرتك، ونظمي مع زوجك أوقات الجماع، وارجعي لسالف عهدك من الطاعة والعبادة، قبل أن يُختم لك بشر خاتمة، فتلقي ربك تعالى وأنت بأسوأ حال – والعياذ بالله -، وهو ما لا نتمناه لكِ.

واعلمي ـ أنت وهو، يا أمة الله ـ أن الحياة الزوجية ليست انهماكا في شوات البطن والفرج، كما قد يظن بعض الغافلين، بل هي زيادة أعباء، وتحمل أمانات، والموفق من يُعان على الموازنة بين الحقوق، وإعطاء كل ذي حق حقه.

آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟

قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا!!

فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ [يعني: قال: سلمان لأبي الدرداء] : كُلْ!!

قَالَ [أبو الدرداء] : فَإِنِّي صَائِمٌ!!

قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ؛ قَالَ: فَأَكَلَ!!

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ!! ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ، فَصَلَّيَا.

فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ!!

فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ سَلْمَانُ)

رواه البخاري (١٩٨٦)

وانظري – للأهمية – جواب السؤال رقم (١٤٢٩٦) ، ورقم (٨٢٨٦٦) .

والله الموفق

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>