للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حوض الكوثر ونهر الكوثر

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو الكوثر؟ وهل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الكوثر في لغة العرب وصف يدل على المبالغة في الكثرة

أما في الشرع فله معنيان:

المعنى الأول:

أنه نهر في الجنة أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى هو المراد في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) الكوثر/١، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما روى مسلم في صحيحه (٦٠٧) عن أنس رضي الله عنه قال: " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي سورة. فقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم. (إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها) , ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير , وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة " الحديث.

وعند الترمذي (٣٢٨٤) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت.. الحديث " وقال الترمذي: إنه حسن صحيح. وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي (٣ / ١٣٥) .

المعنى الثاني:

أنه حوض عظيم ـ والحوض هو: مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (٤٢٥٥) من حديث أبي ذر " أن الحوض يشخب (يصب) فيه ميزابان من الجنة " وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها " كما قال ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح (١١ / ٤٦٦) . والله أعلم.

وأما هل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء أم لا؟

فأما نهر الكوثر الذي يُصب من مائه في الحوض فإنه لم يُنقل نظيره لغير النبي صلى الله عليه وسلم وامتن الله عليه به في السورة فلا يبعد أنه خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء.

وأما حوض الكوثر فقد اشتهر عند العلماء اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم به وممن صرح بذلك القرطبي في المفهم. لكن أخرج الترمذي (٢٣٦٧) من حديث سمرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لكل نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ " وهذا الحديث جميع أسانيده ضعيفة، لكن بعض العلماء حكم له بالقبول لكثرة أسانيده كما فعل الألباني في الصحيحة (١٥٨٩) ، ومنهم من حكم عليه بالضعف. فإذا ثبت الحديث كان المختص بنبينا صلى الله عليه وسلم النهر دون الحوض، وإن لم يثبت فلا يبعد أن يكون الحوض أيضا خاصاً به دون غيره. والله أعلم.

وقد ورد في السنة الصحيحة ذكر صفات النهر الذي في الجنة والحوض الذي في أرض المحشر فمن صفات نهر الكوثر الذي في الجنة:

ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال: فضرب الملك بيده، فإذا طينه أو طيبه مسك أزفر "

وفي المسند (١٢٠٨٤) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري على ظهر الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً فضربت بيدي إلى تربته، فإذا تربته مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ " وصححه الألباني في الصحيحة (٢٥١٣)

وفي رواية عنه في المسند أيضا (١٢٨٢٨) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَوْثَرِ فقَالَ: " ذاك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر (الإبل) قال عمر إِنَّ تِلْكَ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَر " وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣٧٤٠)

وأما صفات الحوض الذي في أرض المحشر فمنها:

ما رواه البخاري (٦٠٩٣) ومسلم (٤٢٤٤) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبدا "

وفي صحيح مسلم (٤٢٦١) عن أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السماء " َو في رواية: " أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ "

وفيه أيضا (٤٢٥٦) عَنْ ثَوْبَاَن رضي الله عنه أن النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ؛ فَقَالَ: " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ يَغُتُّ (يصب) فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالآخَرُ مِنْ وَرِق (فضة) "

وأحاديث الحوض لا شك في تواترها عند أهل العلم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسين صحابيا، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أسماء رواة أحاديثه من الصحابة في الفتح (١١/٤٦٨) حتى قال القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم: " مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي.. "

وأما عن موقع الحوض في أرض المحشر:

فقد اختلف العلماء في هذا: فمنهم من قال:إنه يكون بعد الصراط.

ومنهم من قال: إنه يكون قبل الصراط وهو قول الأكثر وهو الأرجح والله أعلم لأنه يؤخذ بعض من يرد عليه إلى النار، فلو كان موقعه بعد الصراط لما استطاعوا الوصول إليه لأنهم يكونون قد سقطوا في النار والعياذ بالله.

وفي ختام هذا المبحث لابد من التنبيه على أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو:

أنه ليس كل من انتمى للأمة المحمدية سينال نعمة وشرف الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويده الشريفة، بل قد صرحت الأحاديث أن هناك من رجال هذه الأمة من يذاد ويدفع عن الحوض دفعا شديدا، نسأل الله العافية. فَمَن هؤلاء الذين سيشربون ومن أولئك الذين سيدفعون؟

لقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال إجابة واضحة شافية حتى لا يبقى لمعتذر عذر، ولا لمتقاعس حجة فقد روى مسلم في صحيحه (٣٦٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا" قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال:َ" أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ " فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا "

والغرّة: بيانض في وجه الفرس

والتحجيل: بياض في قوائمه

و (دهم بهم) أي: أسود شديد خالص لا يخالطه لون آخر.

وفي البخاري (٦٥٢٨) ومسلم (٤٢٤٣) عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا فَرَطُكُمْ (أي: سابقكم) عَلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ " قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلا يَقُولُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُول [أي النبي صلى الله عليه وسلم ُ] : " إِنَّهُمْ مِنِّي" فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: "سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي "

وعند البخاري في صحيحه (٢١٩٤) ومسلم (٤٢٥٧) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَذُودَنَّ رِجَالا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنْ الإِبِلِ عَنْ الْحَوْضِ "

قال القرطبي رحمه الله: " قال علماؤنا رحمهم الله أجمعين: فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها [ومن نحا نحوهم أو سلك طريقهم] وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع.. " التذكرة للقرطبي (٣٠٦)

فعلى العبد أن يجتهد في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته في أي شيء من هديه رجاء أن يمن الله عليه بالشرب من هذا الحوض المبارك، وإلا فأي خزي وندامة أشد من خزي وندامة من يدفع من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ به العطش مبلغا لا يطاق ولا يحتمل فيمنع من الشرب من ذاك الماء البارد الطيب، ثم يزاد عليه العذاب والخزي والحسرة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالسحق والبعد والعياذ بالله، فتصَوُّر هذا عذاب، فكيف بمعاينته والتعرض له؟!.

نسأل الله أن يمن علينا وعلى إخواننا المسلمين بالتوفيق لمتابعة السنة ومجانبة البدعة والمعصية ... آمين. والحمد لله رب العالمين.

يراجع (القيامة الكبرى ٢٥٧ – ٢٦٢) و (الجنة والنار ١٦٦، ١٦٧) للشيخ / عمر الأشقر و (فتح الباري للحافظ ابن حجر ١١ / ٤٦٦) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>