للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يلزمه رد مصاريف السكن للشركة بعد أن بُذلت له هدية من المتعامَل معه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب مسلم، ذهبت في سفرة عمل إلى بلد بعيد , قد قدّمت لي الشركة مصاريف الإقامة في نُزُل، لكن عند وصولي إلى النزل: علمت أن السيد الذي تربطنا معه شراكة - وهو حريفٌ لنا في هذه البلدة - قد تكفل بمصاريف الإقامة في النزل، وقد أكد أن هذه هدية منه لي , حيث إنه يسكن هذا البلد، وأزوره للمرة الأولى، هل يجب عليّ إرجاع مصاريف الإقامة للشركة، مع العلم أن الهدية كانت لي، وليست للشركة ?.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

جاء في الحديث عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِي رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي، قَالَ: (فَهَلَاّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَاّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ - اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا) رواه البخاري (١٤٢٩) ومسلم (١٨٣٢) .

قال ابن حجر رحمه الله:

"بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له، وأنه لو أقام في منزله لم يُهد له شيء، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية" انتهى.

"فتح الباري" (١٢/٣٤٩) .

وعلى هذا، فالفارق بين الهدية المحرمة، والهدية الجائزة: أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته بحيث لو لم يكن في هذه الوظيفة لم يُهْدَ إليه، فهو محرم عليه، ويجب عليه إما رده إلى المهدي، وإما إعطاؤه لصاحب العمل.

ثانياً:

هذه الإكرامية، وتلك الهدية، تدعو العامل إلى محاباة الدافع، حتى قد يعطيه ما ليس من حقه، أو يتهاون معه فيما فيه نفع للشركة التي يعمل بها، وكل ذلك يعود بالضرر على صاحب العمل.

وانظر جواب السؤال رقم: (٨٢٤٩٧) لمعرفة مفاسد الرشوة، والإكرامية، وأقوال العلماء في بيان حرمتها.

وقال النووي رحمه الله في شرح الحديث المتقدم:

"وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، وغلول؛ لأنه خان في ولايته، وأمانته ... وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة" انتهى.

"شرح مسلم" (١٢/٢١٩) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"هدايا العمال من الغلول "، يعني: إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية، وأهدى إليه أحدٌ ممن له صلة بهذه المعاملة: فإنه من الغلول، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً، ولو بطيب نفس منه.

مثال ذلك: لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما، وأَهديتَ لمدير هذه الدائرة، أو لموظفيها، هدية: فإنه يحرم عليهم قبولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال: "هذا أهدي إلي وهذا لكم"، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال: (مَا بَالُ الرَّجُل مِنْكُم نَسْتَعْمِلُهُ عَلَى العَمَلِ فَيَأْتِي وَيَقُول: هَذَا لَكُم، وَهَذا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَهَلَاّ جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُر أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟) .

فلا يحل لأحدٍ - موظف في دائرة من دوائر الحكومة - أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية: لكنَّا قد فتحنا باب الرشوة الذي يرشي بها صاحب الحق من يلزمه الحق، والرشوة خطيرة جدّاً، وهي من كبائر الذنوب.

فالواجب على الموظفين إذا أُهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم: أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولا سيما إذا كانوا أغنياء؛ فإن الزكاة لا تحل لهم، كما هو معلوم.

"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (١٨/٢٣٢) .

فالواجب على الأخ السائل: أن يُرجع ما أخذه من المال مقابل السكن في تلك الدولة، ويضعه في الشركة.

هذا، إذا كان هذا الشخص عميلاً للشركة، يبيع لها أو يشتري لها، أو يتوسط لها بين البائع والمشتري، أما إذا كان شريكاً في الشركة، فلا حرج من قبول هديته وأخذها، لأنه إنما يتصرف في مال الشركة التي يملكها، أو يملك بعضاً منها.

والله سبحانه نسأله أن يوفقنا وإياكم لأكل الرزق الحلال , وأن يجنبنا الوقوع في الحرام.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>