للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقع في الذنب المرة بعد المرة وتظن أن خطيبها من أسباب ذلك

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد أن أتوب عن بعض المعاصى، ولكن لا أستطيع، كل ما أنوى التوبة وأندم على ما فعلت أعود إليها مرة أخرى، وخطيبي يكاد يكون سبباً في تلك المعاصي، وكل مرة يعدنى أنه سوف يساعدنى على التوبة، ولكن بلا جدوى، فلا أعرف ماذا أفعل؟ مع العلم أنى محجبة حجاباً إسلاميّاً، فهل أفسخ خطوبتى أم ماذا أفعل؟ مع العلم أنه سوف يتم زفافي في خلال شهور، وأنا أحبه كثيراً وهو أيضاً؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله لك ولخطيبك الهداية، وأن يمنَّ عليكما بالتوبة الصادقة، والعمل الصالح، وأن يجعل منكما نواة أسرة صالحة ترعى حق الله، وتقيم شرائعه، وتعظم شعائره.

ثانياً:

بحسب ما ظهر لنا من سؤالكِ فإننا نجد فيك حباً للخير، وبغضا للشر، ومن علامات ذلك: التزامكِ بالحجاب الشرعي، واستياؤك من الرجوع إلى الذنب بعد التوبة منه.

والأمر - يا أختنا - لا يتعلق بشخصٍ نضع عليه حِملَنا بأنه لا يعيننا على الطاعة، أو أنه لا يكف أنفسَنا عن المعصية، بل الأمر كله يتعلق بالإنسان وحده وبنفسه الأمَّارة بالسوء، واستجابة لنزغات الشيطان، ونحن نريد منك أن تصلحي نفسكِ لتكوني سبب إصلاح زوجك، بل وذريتكِ.

وما تقترحينه من فسخ الخطوبة ليس هو الحل؛ لأنك متعلقة به، وهو متعلق بك.

وهل إذا فُسخت الخطوبة سيكون حالكِ مع الله تعالى أحسن؟ إذا كان الجواب: نعم، فلمَ لا يكون الأمر كذلك الآن؟ وأنت لم تتزوجي بعدُ، فيمكنك الجمع بين التوبة الصادقة والزوج المحبوب إذا رجعتِ إلى دينك حق الرجوع.

ثالثاً:

واعلمي أن التّوبة من المعاصي واجبة شرعاً على الفور باتّفاق العلماء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/٨.

والتوبة الصادقة النصوح تتعلق بأمرٍ ماضٍ وحاضر ومستقبل، أما الماضي فهو الندم على ما فعلتِ، وأما الحاضر فهو الإقلاع فوراً عن المعصية، وأما المستقبل فهو العزم التام على عدم الرجوع إليها.

قال الشنقيطي رحمه الله:

"التوبة النصوح: هي التوبة الصادقة، وحاصلها: أن يأتي بأركانها الثلاثة على الوجه الصحيح، بأن يقلع عن الذنب إن كان متلبساً به، ويندم على ما صدر منه من مخالفة أمر ربّه جل وعلا، وينوي نيّة جازمة ألاّ يعود إلى معصية الله أبدا " انتهى.

"أضواء البيان" (٦ / ٢٠٦) .

رابعاً:

إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً ثم ضعفت نفسه واستزله الشيطان وعاد إلى الذنب مرة أخرى لم تبطل بذلك توبته السابقة، ولكن عليه أن يتوب توبة أخرى من الذنب الجديد، وهكذا، كلما أحدث ذنبا أحدث له توبة.

قال الشنقيطي رحمه الله:

"وأظهر أقوال أهل العلم أن من تاب توبة نصوحاً، وكفَّر الله عن سيئاته بتلك التوبة النصوح، ثم عاد إلى الذنب بعد ذلك: أن توبته الأولى الواقعة على الوجه المطلوب لا يبطلها الرجوع إلى الذنب، بل تجب عليه التوبة من جديد لذنبه الجديد، خلافاً لمن قال: إنّ عوده للذنب نقضٌ لتوبته الأولى" انتهى.

"أضواء البيان: (٦/٢٠٦) .

وليس له أن يترك التوبة والاستغفار كلما وقع في الذنب، بل ودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العبد العاصي، حتى يجمع عليه الذنب واليأس من رحمة الله بترك التوبة والاستغفار.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

"قيل للحسن البصري: ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملُّوا من الاستغفار".

" جامع العلوم الحِكَم " (١ / ١٦٥) .

ونقل ابن رجب الحنبلي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال:

" أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ: فليستغفر الله، وليتب، فإن عاد: فليستغفر الله، وليتب، فإن عاد: فليستغفر، وليتب، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك: في الإصرار عليها ".

" ثم قال ابن رجب: ومعنى هذا: أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة) ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب، ومحاه بالتوبة، والاستغفار، فإن فعل: فقد تخلص من شر الذنوب، وإن أصرَّ على الذنب: هلك" انتهى.

" جامع العلوم الحِكَم " (١ / ١٦٥) .

خامساً:

الوصية لكِ، ولخطيبك: أن تكونا على الحال التي يحبها الله تعالى، ويجب عليكِ أن تنصحيه بما أعلمناكِ به من وجوب التوبة، وأن تكون نصوحاً صادقة، واعلما أن العمر قصير، ولا يدري الإنسان متى يلقى ربّه تعالى، فليحرص على أداء الطاعات، وترك المنكرات، قبل أن تأتي ساعة الندم، فلا يستطيع تأخير موته لحظة، ولا الرجوع إلى الدنيا إذا مات وانتهى أجله.

وعليكما أن تتعاونا على الطاعة، وتتعاهدا على ترك المعصية، واجعلا وقتكما عامراً بذكر الله تعالى، وحافظا على أذكار الصباح والمساء، وعلى النوافل والدعاء، وإياكما أن يكون زفافكما فيه معصية وغنا، واختلاط وفحشاء؛ فإن هذا مما يغضب الرب تعالى.

ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكما، وعليكما، وأن يجمعا بينكما على خير، ونسأله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه.

سادساً:

إن كانت معصيتك هو ما يقع بين الخطيب ومخطوبته من بعض التجاوزات، فالنصحية لكما أن تعجلا عقد النكاح، حتى تكوني زوجة له، ويكون زوجاً لك، فيحل لكما ما يحل للرجل من امرأته، والمرأة من زوجها.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>