متعلقة بصديقتها تعلقّاً محرَّماً فكيف تتخلص منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي أني أحب صاحبتي حبّاً شديداً وهي تبادلني بمحبة أكبر، وأخشى أن يقودنا هذا للتعلق، أنا إنسانة ملتزمة وطالبة علم، وهي كذلك، وأدرس في حلقات قرآن وهي لها أنشطه دعوية كبيرة جدّاً، وأخشى أن يكون حبي لها تعلقاً، خصوصا وأني أجد بها ما يكمل شخصيتي، أنا خجولة وانطوائية قليلا، وهي اجتماعية ومحبوبة من الجميع، تعرفت عليها منذ سنة تقريبا، فتألفت قلوبنا سريعاً وأحببنا بعضنا، وبدأت تبث لي همومها ومشاكلها، خاصة وأنها لا تجد أحداً من أهلها يستمع لها، هي تقول: إنها وجدت لدي الحنان والحب، وعندما نسير مع بعض تمسك يدي بقوة، أشعر بمشاعر غريبة لذلك أحرص على أن لا تمسك بيدي ولا تتلامس أيدينا، مكالمتنا يومية، لكن والله يشهد فيها تواصي على الخير، فهي توقظني لقيام الليل وتحثني على الصيام، بل إنها غيرتني وجعلتني أتحمس للدعوة إلى الله، وبدأت معها بتوزيع الكتب والأشرطة بالكلية وإلقاء المحاضرات، لكن أخشى من الذنب خصوصا وأن مكالمتنا تكون على الجوال فتأتي فواتيرنا مبالغ كبيرة، لا أعلم كيف أوضح لك المشكلة وكيف أرتب أفكاري، لكن مشكلتي أني أفكر بها كثيراً، وأصبحت لا أستطيع أن أحفظ القرآن كالسابق، أخشى أنه عقوبة من الله، أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، غير متزوجة، ترتيبي بالوسط في عائلتي، أفتقد الحب والحنان، بل الأهم: الاهتمام، ومهمشة من قبلهم، والدتي ووالدي يفرقون في معاملتهم لنا، ورغم أنى الآن أصبحت الكبيرة بعد زواج أخواتي الذكور والإناث، إلا أني مهمشة؛ لا يستشيروني بأي أمر، يستشيرون أختي الأصغر سنّاً ويفضلونها عليَّ، أخواتي جميعهم جميلات، أما أنا فمتوسطة الجمال ولا أشبه أخواتي، لذلك دوما يستغربون عندما يعرفون أننا أخوات، عندما تعرفت على صاحبتي أعادت ثقتي بنفسي، واكتشفت أن كل إنسان فيه مواطن جمال، عرفتني على الناس، أخذت بيدي نحو الأمام، عندما أكون معها أشعر بقوة كبيرة، لكن أريد أن يكون حبي لها معتدلاً، لا إفراط ولا تفريط، أيضا هي دوما تقول إنها وجدتْ عندي الحب والحنان الذي تفتقده بأسرتها، رغم أنها أصغر عائلتها، أتمنى أن يكون حبنا لبعض في الله حبّاً أخويّاً نقيّاً، لذلك أريد أن أستشيركم، هل هذا ما يسمى بالإعجاب، والله العظيم إني أحبها لله ولا أستطيع التفكير فقط في الاستغناء عنها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحب في الله تعالى بين المسلمين من أسمى صفاتهم وأعظم أخلاقهم، ومما يميزهم عن غيرهم أنهم لا يحبون المرء لماله ولا لجماله ولا لنسبه، بل يحبونه لله تعالى وفيه، وقد أوجب الله تعالى محبته لهؤلاء المتحابين فيه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم منزلتهم يوم القيامة، حتى إن الأنبياء والشهداء ليغبطونهم على منزلتهم تلك، وهم تحت ظل عرش الرحمن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) .
رواه مسلم (٢٥٦٦) .
عن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه: فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما كان من الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبَل وجهه فسلمت عليه ثم قلت: والله إني لأحبك، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال فأخذ بحبوة ردائي وجذبني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: " وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين في ".
رواه أحمد (٢١٥٢٥) وصححه ابن حبان (٢ / ٣٣٥) .
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ".
رواه الترمذي (٢٣٩٠) ، وقال: حديث حسن صحيح.
ثانياً:
للشيطان مدخل واسع من باب الحب في الله، فقد يوهم كثيرين أنهم يحبون في الله أو لله وهم واقعون في العشق والهيام، ولو كان بين امرأة وأخرى، أو رجل وآخر، وقد تبدأ العلاقة بين الطرفين حبّاً في الله تعالى، لكنها لا تصمد على هذا لما يعتريه من خلل وإفراط في العلاقة بينهما، وهذه المحبة التي بينكِ وبين صديقتك ليست محبة في الله لما ترتب عليها من آثار ضارة.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
المحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته، والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة تقطع محبته لله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق.
" إغاثة اللهفان " (٢ / ١٤٠) .
وقد تكلم العلماء قديما وحديثاً عن هذا الداء – وهو العشق -، وبيَّنوا أسبابه، وخطورته، ثم قدَّموا علاجه لمن شاء التخلص من هذا المرض العضال.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
العشق هو الإفراط في المحبة، بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق، حتى لا يخلو من تخيُّلِه وذِكره والفكرِ فيه، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القُوى، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُزُّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختلُّ جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه ... .
والعشق مباديه سهلةٌ حلوةٌ، وأوسطه همٌّ وشغلُ قلب، وسقم، وآخره عَطَبٌ وقتلٌ ...
والذنب له - أي: للعاشق -، فهو الجاني على نفسه، وقد قعد تحت المثل السائر: " يداك أوكتا وفوك نفخ ".
" الجواب الكافي " (ص ١٥٣) .
ومن قرأ رسالتكِ لم يشك أن العلاقة التي بينكِ صديقتكِ ليست محبة في الله شرعية، بل هي إعجاب أدى إلى تعلق ثم إلى عشق.
ثالثاً:
للتعلق المذموم هذا أسبابه، ومن أعظمها ضعف الإيمان بالله تعالى، والغفلة عن اليوم الآخر، وخواء القلب من المحبة الشرعية النافعة والمقوية له، وكثرة الفراغ وعدم الاهتمام بالوقت – ويدل عليه كثرة المكالمات الهاتفية وطولها -، وعدم وجود القدوة الصالحة في حياة العاشقات، ولا شك أن للأسرة دوراً في وجود هذه العلاقات المحرمة؛ وذلك بعدم إشباع عاطفة بناتهم من الحب الأسري، وبسبب تأخير زواج بناتهم بذرائع فارغة كالدراسة أو العمل، مما سبَّب انحرافاً في علاقة ابنتهم وهم غافلون.
ولهذا الداء الفتاك آثاره القاتلة على القلب والعقل، وأعظم من ذلك: أنه قد يوقع في الشرك؛ وذلك بتقديم رضا المعشوق على رضا الله، وتقديم طاعته على طاعة الله ورسوله، وقد سجدت إحدى العاشقات عند قدمي معشوقتها لترضى عنها، بعد أن حصل بينهما خلاف! .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
وهو أقسام، وهو تارة يكون كفراً، كَمَن اتّخذ معشوقه نِدّاً، يُحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشقٌ لا يُغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقّه وحقّ ربِّه وطاعته قدّم حق معشوقه على حقِّ ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه - إن بذل - أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه - إن أطاعه – الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
" الجواب الكافي " (ص ١٥٠) .
رابعاً:
دواء هذا الداء ذكره العلماء وأوصوا بأخذه لمن أقلقه حاله، وأراد الاستشفاء الشرعي:
قال ابن القيم - رحمه الله -:
ودواء هذا الداء القتَّّال: أن يعرف أن ما اُبتُليَ به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو مِن جهله وغفلة قلبه عن الله، فَعَلَيْهِ أن يعرف توحيد ربِّه وسُننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويُكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ، فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه؛ فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله: لم يتمكن منه عشقُ الصور؛ فإنه إنما تمكن من قلب فارغ، كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
" الجواب الكافي " (ص ١٥٠، ١٥١) .
وهذه فتاوى أهل العلم المعاصرين في هذه القضية الهامة والخطيرة:
١. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
انتشرت عندنا عادة قبيحة بين النساء ويأسف كل غيور على نساء المسلمين لذلك، وهي فتنة الطالبات بعضهن ببعض، وقد تسمى في بعض المناطق بـ " الصحبة "، وخلاصة هذه العادة: أن تُعجب الفتاة بفتاة أخرى لا لدينها، بل لجمالها فقط، فتعقد عليها أو تجعلها مِلكاً لها فلا تجالس إلا هذه الفتاة، ولا تتكلم إلا معها، وتقلدها في جميع شؤونها، بل يصل الأمر إلى أن تنام عندها في بعض الليالي، بل تقبلها في وجهها وصدرها، وتكتب اسمها أو الحرف الذي يشير إلى اسمها على حقيبتها وثيابها المدرسية، وقد يصل الأمر - يا فضيلة الشيخ - إلى تعاملها كما تعامل زوجها! ولها من الحقوق مثل الزوج إن لم يكن أكثر، فما رأي الشرع في هذا الأمر؟ وهل من نصيحة توصون بها من ابتليت بهذا الداء؟ .
فأجاب الشيخ:
هذا الداء يسمى بداء " العشق "، ولا يكون إلا من قلب فارغ من محبة الله عز وجل، إما فراغاً كليّاً، وإما فراغاً كبيراً، والواجب على من ابتليت بهذا الشيء: أن تبتعد عمن فتنت بها، فلا تجالسها، ولا تكلمها، ولا تتودد إليها، حتى يذهب ما في قلبها، فإن لم تستطع: فالواجب على ولي المرأة الأخرى أن يفرق بينها وبين تلك المرأة، وأن يمنعها من الاتصال بها، ومتى كان الإنسان مقبلاً على الله عز وجل معلقاً قلبه به: فإنه لا يدخل في قلبه مثل هذا الشيء الذي يبتلى به كثير من الناس، وربما أهلكه، نسأل الله العافية والسلامة.
بواسطة " الإعجاب إلى أين " للشيخ عبد الملك القاسم.
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله -:
كثر في المدارس ظاهرة " الإعجاب "، وذلك أن تتعلق الطالبة بحب معلمة من أجل أناقتها أو جاهها أو جمالها " محبة دنيوية "، أو تتعلق طالبة بطالبة أخرى فتكثر من الحديث عنه وكتابة اسمها على " دفترها " وقد ترسل لها رسائل إعجاب بشخصها، وبالجملة تكون " محبوبتها " هي شغلها الشاغل، فما حكم هذه المحبة الدنيوية؟ وما الفرق بينها وبين الحب في الله - علماً بأن بعض صاحبات الإعجاب قد وقعن في الشذوذ الجنسي والعياذ بالله -؟ .
فأجاب:
ورد في الحديث الصحيح " ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ... " إلخ، فالمحبة الجائزة أو الواجبة هي المحبة لله وفي الله، ومن آثارها: أن يقتدي بالمحبوب في أعماله الصالحة، ويطيعه في نصائحه، وأن ينصحه عند وقوعه في خطأ أو زلل، فأما مثل هذه المحبة التي هي من آثار الإعجاب بالجمال والأناقة واللياقة، والتي يكون من آثارها: التعلق بالمحبوب، ومحاكاة أفعاله، وتقليده في سيره ومنطقه وسائر أحواله، مما يدل على تعلق القلب به: فإنها محبة، وشهوة، وعشق، وميل إلى فعل الفاحشة، وسواء كانت محبة رجل لامرأة وشغفه بها، بحيث يكثر من ذكرها ويضمن ذلك في شعره كما حصل من " مجنون ليلى " و " كثير عزة "، أو محبة رجل لرجل كالذين يعشقون المردان من الشباب ويحاولون أن يلتصقوا بهم مهما استطاعوا، أو من امرأة لرجل كما حكى الله عن امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام، قال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} [يوسف / ٣٠] ، وهكذا قد يكون من امرأة لأخرى، وذلك قليل في التاريخ، لكن لا يستغرب حدوثه في هذه الأزمنة التي حصل فيها ما يثير الغرائز ويدفع الكوامن ولو من المرأة مع أخرى، وهو ما يعرف بـ " السحاق " ويعرف الآن بـ " الشذوذ الجنسي "، وإن كان أخف من فعل فاحشة اللواط لخلوه من الإيلاج ولكنه محرم، وكذلك وسائله من المبالغة في الحب لمجرد الجمال والحسن، وهكذا ما يؤدي إلى ذلك، فالواجب التوبة عن جميع ما ذكره وتعلق القلب بالرب تعالى، والله أعلم.
بواسطة " الإعجاب إلى أين " للشيخ عبد الملك القاسم.
خامساً:
الحذر الحذر أختي الفاضلة من أن يستهويكما الشيطان، وأن يأخذ بكما إلى طريق المهالك بدعوى المحبة، وليكن تعلقك بالله، وفي طاعة الله، فإن الشيطان يتربص بالمؤمن كل لحظة ليغويه، فإن ظفر الشيطان بكما فإنه يحقق فيكما أعظم أمانيه: ضياع أجر المحبة في الله؛ وفتور عابدتيْن عن عبادة الله؛ وشل نشاطكما في الدعوة إلى الله؛ واستخدامكما للصد عن سبيل الله؛ وغير ذلك كثير.
فعليك أن تفوتي عليه هذه الفرصة بضبط العلاقة بالضوابط الشرعية، ومكافحة الهوى والنفس وذلك بالتعلق بالله لا بالمخلوق.
وبما أن أختك في الله داعية وطالبة علم، فإنه ينبغي لها أن تنتبه لهذه العلاقة كما فعلتِ أنتِ، ويجب عليكما أن تتصارحا، وأن تضعا حدّاً لهذه العلاقة، بتقليل اللقاءات والمكالمات، وترك التفكير في الطرف الآخر، ولعلَّه بزواجكما أن تختصر هذه العلاقة وتؤصل وترجع إلى طبيعتها الشرعية.
وأنصحك أختي الكريمة أن تقرئي كتاب " تلبيس إبليس " لابن الجوزي، وكتاب " الجواب الكافي " لابن القيم ففيهما خير عظيم لمثل حالتك هذه وأختك.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب