والدها يرفض الخاطب لأنه مجاهد وقد يموت في المعركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج برجلٍ يعد نفسه للذهاب إلى الجهاد في غضون سنوات، لكن عندما ذكرت أمره لوالدي رفض؛ لأنه يقول بأنه لا يستطيع أن يراني أرملة في حياته، أنا أعي عواقب الزواج بشخصٍ قد يموت في المعركة (ومن منظور دنيوي: أي: أني سأعيش بدون زوج لأشهر كل مرة " يذهب فيها للجهاد "، وهناك احتمال كبير بأن أصبح أرملة، إلخ) ، لكن الأجر هو أعظم بكثيرٍ من المنافع الدنيوية.
وعليه، فهل يجب عليَّ أن أطيع والدي؟ وهل سبب رفضه مقبول إسلاميّاً لأن يرفض هذا الخاطب، وأنا أكثر من موافقة على أن أصبح زوجة لمجاهد؟ أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فإن النكاح رابطة شرعية شريفة حث عليها ديننا في مواضع من كتاب الله وسنة رسوله، وإن من المهم في هذه الرابطة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (٤٨٠٢) ومسلم (١٤٦٦) ، وقال مخاطباً ولي المرأة: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " – رواه الترمذي (١٠٨٤) وابن ماجه (١٩٦٧) – وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (١٠٢٢) -.
ثم إن الجهاد من أعظم أبواب الخير وهو ذروة سنام الإسلام، وأهله هم من خيرة عباد الله، ومن حزبه المفلحين، وفضل الجهاد والمجاهدين مما يطول ذكره.
ثانياً:
الذهاب للجهاد لا يعني الموت المحقق، فإن الله قد خلق الخلائق وقدر أزراقها وآجالها، وإنه لمن العجب أن يظن المسلم أن ذهاب المجاهد إلى أرض المعركة يعني أنه سيقتل فيها، ويظن أنه إن لم يجاهد فسينجو من الموت، وهذا ظن خاطىء فالذهاب إلى الجهاد لا يعجِّل ساعة الإنسان، وعدم الذهاب لا يؤخرها، وقد يعيش الإنسان عمره كله في الجهاد ولا يُقتل فيه، ومن أحسن الأمثلة على ذلك: الصحابي الجليل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – والذي قضى كثيراً من عمره في ساحات القتال ثم كان موته على فراشه، بينما آلاف الناس يموتون في كل لحظة في بيوتهم أو متاجرهم أو في الشوارع، قال الله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل / ٦١، وقال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان / ٣٤.
وقد أخبر الله تعالى عن مثل من يظن هذا الظن وردَّ عليهم.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} آل عمران / ١٥٦.
قال ابن كثير:
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي: عن إخوانهم {إذا ضربوا في الأرض} أي: سافروا للتجارة ونحوها {أو كانوا غزى} أي: كانوا في الغزو {لو كانوا عندنا} أي: في البلد {ما ماتوا وما قتلوا} أي: ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو، وقوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم.
ثم قال تعالى ردّاً عليهم {والله يحيي ويميت} أي: بيده الخلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره.
" تفسير ابن كثير " (١ / ٤٢٠) .
وقال:
أي: كما أن الحذر لا يغني من القدَر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يُبعده، بل الإحياء المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن لا يُزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، وقال تعالى {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، وروينا عن أمير الجيوش ومقدَّم العساكر وحامى حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال - وهو في سياق الموت -: " لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضوٍ من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء "، يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه.
" تفسير ابن كثير " (١ / ٣٠٠) .
ثالثاً:
ومما تقدم يتبين خطأ ما قاله والدك من أنه لا يريد أن يراك أرملة في حياته، إذ لو قدر الله ذلك لحصل حتى لو تزوجت من غير المجاهد، فرفضه لأنه يعد نفسه للجهاد ليس له مسوغٌ شرعاً، أما إن كان هناك أسباب أخَ تتعلق بخلُقه ودينه: فيمكن للوالد أن يردَّ هذا الزوج.
رابعاً:
والنصيحة لك أن تطيعي والدكِ، وليس لك أن تتزوجي من غير إذن الوليِّ، فقد أبطل الشرع الحكيم زواج المرأة من غير إذن الولي.
أ. عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ".
رواه الترمذي (١١٠١) وأبو داود (٢٠٨٥) وابن ماجه (١٨٨١) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (١ / ٣١٨) .
ب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له.
رواه الترمذي (١١٠٢) وأبو داود (٢٠٨٣) وابن ماجه (١٨٧٩) .
والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (٩ / ٣٨٤) والحاكم (٢ / ١٨٣) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب