يصعب عليه أداء الصلوات لأن عمله شاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترى بكفر الشخص الذي يصلي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات يوميا؟ إن تأدية الصلوات خمس مرات يوميا ليس سهلا على الناس العاديين , كما قال النبي موسى عليه السلام في قصة المعراج بأنه سيكون صعبا على أمة نبينا صلى الله عليه وسلم الوفاء بهذا الأمر. لكنه مع ذلك قال إننا من أمته. ونحن نعتقد ببنود الإيمان. لكننا لا نحصل على رواتب لصلاتنا كما يحصل الأئمة أو أخذ مقابل لأنهم علماء يقومون بالبحث الإسلامي. نحن لدينا عائلات وأطفال نقوم على رعايتهم , ونكدح ١٢ ساعة يوميا في أنشطة منهكة بدنيا وذهنيا لنكسب لقمة العيش , وعليه فإنه من الصعب الوفاء بجميع الصلوات نتيجة للتعب. فهل لا تزال تعتبرنا كفارا , مع أننا نؤدي بعض الصلوات وندفع الزكاة ونصوم في رمضان ونعتقد ببنود الإيمان؟ إن الأمر مهم جدا بالنسبة لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد ... فلقد فرض الله على عباده في اليوم خمس صلوات في كل يومٍ وليلة، وأمر بالمحافظة عليها وإقامتها، وأثنى على المحافظين عليها، والمقيمين لها، قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) . وقال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) . وقال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى قوله تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون) .
فعليك أيها الأخ الكريم أن تهتم بإقامة الصلاة، وبالمحافظة عليها، والخشوع فيها، وتأخذ بالأسباب المعينة على ذلك لتكون من المفلحين، ولا تشغل نفسك بالتفكير في حكم من يترك صلاة أو صلاتين، وهل يكفر أو لا يكفر.
فإن من ترك صلاةً متعمداً يُعرِّض نفسه لعذاب الله، والمؤمن العاقل لا يُقدم على ما يعلم أنه سببٌ للعقاب حتى ولو لم يكن كفراً. والصلوات الخمس وسائر الطاعات، واجتناب المحرمات لا يتحقق القيام بها إلا بالصبر وهي مكروهة بمقتضى الطبع لأنها تحول بين الإنسان وبعض شهواته، قال عليه الصلاة والسلام: " الجنة حُفَّت بالمكاره ". وأمْر الصلاة في الإسلام عظيم، ولذلك لا تسقط عن المكلف ما دام حياً، وعقله معه، ولكنه سبحانه يسَّر على عباده في فرض هذه الصلاة فأباح الجمع والقصر في السفر، وأباح الجمع في الحضر إذا كان في تركه حرجٌ ومشقَّة. وأباح للمريض أن يُصلي بحسب استطاعته قائماً أو قاعداً أو على جنبه. وبهذا يُعلم أن الاشتغال بالرزق لا يكون عذراً في ترك الصلاة، لكن إذا حصلت مشقَّة غير عادية أباح الجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، والمغرب والعشاء في وقت أحدهما.
وقد أمر الله بترك البيع من أجل صلاة الجمعة، وأثنى على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. فاحرص أيها الأخ الكريم على أداء الصلوات الخمس في وقتها ومع الجماعة، قال عليه الصلاة والسلام: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين ضعفاً ".
واعلم أن المحافظة على الصلوات الخمس من أعظم الأسباب للفوز برحمة الله ورضوانه وجنته، وهذا هو المطلب الأعلى، ومع ذلك هي سببٌ لتيسير الرزق كما قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) .
فالمسلم لا يطلب من الناس أجراً على عبادته لربه، بل يصلي لله، ويصوم لله، ويحج لله، ويرجو ثواب الله. فقولك أيها الأخ السائل: أننا لا نحصل على رواتب على صلاتنا كما يحصل الأئمة. هذا خطأ في تصورك فإنه لا يجوز للإمام أن يأخذ مرتبا على فعل الصلاة، ولكن الأئمة أو المؤذنين يأخذون المرتبات على الوظيفة التي تتطلب منه الحضور في كل وقت (لكي يتفرغوا لأداء مهمتهم في الإمامة والخطابة والفتيا والقضاء) . والأفضل للمسلم أن يقوم بوظيفة الإمام أو المؤذن تطوعاً واحتساباّ لثواب الله. وقولك أيها الأخ الكريم: ونحن لدينا عائلات، وأطفال.... . لا يصلح عذراً في ترك بعض الصلوات، فإنه لا بد أن تفرغ شيئاً من وقتك لأدائها وهو قدْرٌ يسير، فكل صلاة لا تستغرق في أدائها، والاستعداد لها أكثر من ربع ساعة. وإذا تركت بعض الصلوات اشتغالاً في طلب الرزق فإننا لا نجزم بأنك كافر لكن نجزم بأنك عاصٍ معصية كبيرة. وقد سبق في أول الجواب أنه يجوز مع المشقة غير العادية أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، كما نذكر أنه لا بد من أداء صلاة الفجر في وقتها، ووقتها من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
أعاننا الله وإياك على طاعته.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.