للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نصائح لمن يعاني من " التأتأة " ويريد طلب العلم وتعليمه للناس

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد كنت أتأتأ معظم حياتي، إنني سأدرس القرآن، أحب أن أسال: إذا طلبت العلم أريد نشره، لكن هناك شيء واحد يمنعني، هل تأتأتي تجعلني أحتفظ بالعلم لنفسي فقط؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

نسأل الله تعالى أن يكتب لك الشفاء والأجر، الشفاء من ابتلائك هذا، والأجر على تحصيلك للعلم، وعلى نيتك نشره بين الناس.

وهذه التأتأة التي ابتلاك الله بها مشكلة، تحتاج لصبر للتخلص منها، وتمرين للسان على النطق بالكلمات بتمهل، وصوت مرتفع، مع ثقة بالنفس، وقبل كل ذلك استعانة بالله تعالى، وهي ترجع إلى ظروف نفسية، وأحياناً – عند بعض الناس - لمرضٍ عضوي، فننصحك بمراجعة مختصين بعلم النطق، وأمراض الفك واللسان.

وفي " الموسوعة العربية العالمية ":

وهناك العديد من الطرق التي من خلالها يمكن لأولئك الذين يعانون من " التأتأة " أن يتحدثوا بسلاسة تامة، ومن بين تلك الطرق: القراءة بصوت عال مع الآخرين، والحديث في المواقف المشجعة، أو الكلام مع الأصدقاء.

انتهى

وعلى كل حال:

اعلم أنك مأجور على تحصيلك للعلم، وهذه المشقة التي تعانيها في التحصيل تزيد لك في الأجر.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِيْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيْهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) .رواه مسلم (٧٩٨) .

قال الإمام القرطبي – رحمه الله –:

التتعتع: التردد في الكلام عيّاً وصعوبة، وإنما كان له أجران من حيث التلاوة، ومن حيث المشقة.

" تفسير القرطبي " (١ / ٣٠) .

وإذا رغبت في أن تفيد غيرك بما تعلمته من علم: فأمامك طريقان:

الأول: أن تفيد الناس بكتاباتك، ولا يشترط أن يكون المفيد محسناً للنطق بالحروف، وها هم معلمو الدنيا من أئمة الدين من السلف لم يصلنا من علمهم إلا كتبهم، ولم نسمع منهم حرفاً، وبعض العلماء والدعاة من المعاصرين نأى بنفسه عن الكلام مع الناس مواجهة – ولا يلزم أنه لا يحسن التعبير – وانبرى يفيدهم بقلمه، فكتبوا كتباً نافعة، والمجال مفتوح للكتابة في الصحف، والمجلات، ومواقع الإنترنت، وغير ذلك من الأبواب.

الثاني: أن تشد من عزم نفسك، وتواجه الواقع بالجرأة في مواجهة الناس وتعليمهم بالنطق باللسان، وقد كان بعض الأئمة وأهل العلم مصاباً بالتأتأة في نطقه، لكنه عندما كان يصعد المنبر ويحدِّث الناس ينطلق في الكلام كالسيل، ولا يظهر منه تردد في حرف واحد، ومن هؤلاء الشيخ " عبد الرحمن الدوسري " رحمه الله، وثمة غيره من المشاهير، هذا هو حالهم، فلم تمنعهم التأتأة من أن يكونوا خطباء مفوهين، وقد يجمعون مع ذلك كتابة رائقة.

وها هو مثال آخر: أخت فاضلة، درست الشريعة حتى وصلت إلى أن حصلت على شهادة " الدكتوراة "، فاقرأ حديثها بنفسك، قالت:

" وعندما نظرت إلى أترابي من زميلات القسم: وجدت بعضهن قد نفضت غبار الشيطان -وهو الحياء المذموم في الدعوة - فلماذا أنا لا أستطيع فعل ذلك أيضاً؟! لماذا لا أزرع الثقة بالله في نفسي؟! فقررت أن أبدأ الآن في مصلَّى الجامعة , وكان تخصصي في الدعوة جعلني قريبة الاطلاع على كيد الأعداء، وحربهم المستمرة على الإسلام، فحتى متى ننتظر؟ ففكرت في علاج لحالة " التأتأة " التي أعاني منها، وذلك بألا أتكلم بسرعة، وفي البداية لا أنظر للحضور، بل أوزِّع نظراتي في القاعة، حتى لا أشعر بارتباك، وأي حرف لا أستطيع نطقه بيسر: أغيِّره بحرف آخر أستطيع نطقه.

وبفضل الله بدأت ألقي دروساً في مصلى الجامعة، ولكن بدون إشراف من أستاذات الجامعة، وبديهي أن إشراف الأستاذات يعطي قوة، وتمكناً للداعية،ودقة، وصحة في الطرح، فلا يكون مجرد عواطف منثورة.

انتهى.

ونبشرك أيضا أن بعض من نعرفه من المشتغلين بالعلم مصاب بهذه التأتأة، ومع أنه لم يستطع التخلص منها، فإن مجالسه العلمية أفادت كثيرا من طلاب العلم، فالدرس العلمي يختلف عن الموعظة، وبالإمكان نفع طلاب العلم، وتدريسهم كتبا كثيرة، حتى قبل التخلص من هذه المشكلة.

فامض قدما لما شرح الله صدرك له من طلب العلم النافع، واعلم أنك ـ إن أخلصت نيتك لله تعالى في طلبه ونشره ـ فأنت مأجور على كل حال، سواء أمكنك ذلك النشر والتعليم فعلا، أو حيل بينك وبينه.

نسأل الله أن ييسر لك أمرك، وأن يوفقك لما فيه رضاه.

وانظر في فضائل طلب العلم والعلماء: جواب السؤال رقم: (١٠٤٧١) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>