للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي، فلم أدر ماذا أصنع، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة. فهل ما فعلته صحيح؟ وماذا كان عليّ أن أفعل؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف، وأخذت بالأحسن والأحوط، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف.

قال ابن قدامة:

الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ.

واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها:

١- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) . رواه الترمذي (٩٦٠) وصححه الألباني في إرواء الغليل (١٢١) .

٢- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (١٢٩٧) .

فتاوى الشيخ ابن باز (١٧/٢١٣-٢١٤) .

٣- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟

فأجاب:

طوافها غير صحيح، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها. والله وليّ التوفيق اهـ.

فتاوى الشيخ ابن باز (١٧/٢١٤-٢١٥) .

وسئل أيضاً: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟

فأجاب: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة.... اهـ.

مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (١٧/٢١٦-٢١٧) .

وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي:

أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ.

وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك.

وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ.

"مجموع الفتاوى" (٢١ / ٢٧٣) .

وهذا القول –أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك، وأحوط وأبرأ للذمة. وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء.

ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء، وذلك يكون في أيام المواسم، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة. . ونحو ذلك.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور:

وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / ١٨٥ اهـ. " الشرح الممتع " (٧ / ٣٠٠) .

وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت -: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ". انظر المغني ٥ / ٢٤٦.

قال الشيخ ابن عثيمين:

فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.

" الشرح الممتع " (٧ / ٣١٠، ٣١١) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>