للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدعاء بصفات الأنبياء

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم الدعاء بصفات الأنبياء مثل: اللهم ارزقني صبر أيوب، وحكمة يوسف ... إلى آخره]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

سؤال العبد أن يحقق الله له شيئا من صفات الأنبياء على قسمين:

القسم الأول:

الدعاء بما اختصهم الله به من معجزات أو كرامات أو فضائل: كأن يسأل العبد ربه أن يهبه ملك سليمان، وقد قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص/٣٥، أو أن يسأل الله تعالى معجزة لا تتحقق إلا لنبي، كمعجزة عيسى عليه السلام حيث ولد من غير أب، أو يسأل الله عز وجل منزلة الوسيلة في الجنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) رواه مسلم (٣٨٤) .

فحكم هذا النوع من الدعاء المنع وعدم الجواز، وذلك لما فيه من اعتداء ظاهر، حيث يسأل فيه العبد ما لا يجوز له أن يسأله.

عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) .

رواه أبو داود (٩٦) وصححه ابن حجر في "التلخيص" (١/١٤٤) والألباني في "صحيح أبي داود".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" ومن الاعتداء في الدعاء أنْ يسأل العبدُ ما لم يكن الربُّ ليفعله، مثل: أنْ يسأله منازلَ الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك، أو يسأله ما فيه معصية لله، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (١/١٣٠) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٤١٠١٧) .

القسم الثاني:

سؤال الله تعالى أخلاق الأنبياء، وهديهم، والاقتداء بهم، والسير على نهجهم، والتحلي بمكارمهم: كالصبر والحكمة والرحمة ونحو ذلك مما هو مطلوب من العباد أصلا:

فلا يظهر لنا في الدعاء بهذا بأس ولا حرج؛ فإنَّ أَوْلى ما يَقتدي به المسلم تلك المراتب العالية التي حازها الرسل والأنبياء في عباداتهم وأخلاقهم وتقواهم وتعلقهم بالله سبحانه وتعالى، والقرآن مليءٌ بالحث على السير بسيرتهم في جميع أمورهم وأحوالهم، والاقتداء بهم، والتخلق بأخلاقهم، والتشبه بأعمالهم، فقال سبحانه وتعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) الأنعام/٩٠، وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف /٣٥.

فإذا دعا العبد ربه بما أمر به وطلب منه، وسأل الله تعالى أن يؤتيه ما آتى الأنبياء من محاسن الأخلاق والأعمال الأقوال، ويعينه على ما أعانه عليهم من الصبر على الطاعة أو عن المعصية، والحكمة في الدعوة، والرفق في الأمر، والثبات والطمأنينة، إذا دعا العبد بذلك كله كان له فيه الأجر والثواب إن شاء الله تعالى على دعائه، ويرجى أن يحقق الله له مطلوبه.

لكننا نخشى من التحكم بالمثلية في مثل هذا الدعاء: كصبر يوسف، وفهم سليمان، وحكمة ... ، نخشى أن يكون هذا التحكم من الاعتداء في الدعاء، لا سيما إذا راح يتتبع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل، فهم سليمان، صبر أيوب، بكاء داود ... ، وصار يدعو بها جميعا؛ فإن اجتماع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل ومدحهم الله عز وجل به، لآحاد الناس غيرهم من الممتنع عادة.

والذي ننصح به أن نتواصى بالأدعية المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو المروية عن أصحابه الكرام، أو عرف مخرجه من أئمة العلم والدين، فإن لم يكن، فليدع المرء لنفسه بما أحب من خير الدنيا والآخرة، مع حرصه على التأدب بآداب الدعاء، وتحري أوقات الإجابة.

وأما الأدعية المخترعة التي يتداولها الناس في رسائل الجوال، وما أشبهها، فكم يتسارع الناس فيها، ثم يظهر فيها ما لا ينبغي من الاعتداء أو مخالفة السنة والأدب.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>