للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز للحاكم أن يعطل بعض الحدود في بعض الأوقات؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز للحاكم المسلم تعطيل بعض الحدود في أوقات كما فعل عمر رضي الله عنه عندما أسقط حد السرقة عام الرمادة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

" الواجب على المسلمين أن يقيموا فرائض الله في حدوده، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني المحصن قال: (وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا: لا نجد الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل) فبين أن هذا فريضة، ولا شك أنه فريضة، لأن الله أمر به فقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) المائدة/٣٨، وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) النور/٢، وقال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا) المائدة/٣٣، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) .

ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا يحتاج إلى شيئين:

الشيء الأول: صحة النقل، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الأمر الثاني: أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة، فإن الناس في مجاعة، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا لتشبعٍ به، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه، فتحين الفرصة فسرق، هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه في أنه أسقط أو رفع الحد: حد السارق عام المجاعة.

أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه، ولا يوثق بنصحه للأمة، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام – وأعني بذلك بعضهم – لقالوا: إقامة الحد في هذا العصر لا يناسب؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج، وأننا وحوش، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان؛ ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله.

ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون في هذه الجرائم " انتهى.

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص ٤٨٣، ٤٨٤) .

وبيان هذا: أن من شروط وجوب إقامة الحد على السارق: ألا يكون له شبهة في المال المسروق، فعمر رضي الله عنه لم يقم الحد لأنه لم تتوفر فيه شروط وجوبه، والذي يسرق في زمن المجاعة له شبهة في هذا المال، فلم يسقط عمر رضي الله عنه الحد أو عطله بعد وجوبه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>