للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآثار الشرعية لزنا الزوج بأم زوجته قبل النكاح وبعده

[السُّؤَالُ]

ـ[امرأة متزوجة، وزوجها قد زنى بأمها مرات عديدة وهذه الزوجة لا تعلم، ماذا تفعل مع أمها ومع زوجها، فهي في حيرة من أمرها؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

لا يحل لأحدٍ أن يدَّعي على غيره أنه وقع في الزنا إلا أن يَثبت ذلك بطريق شرعي، كاعتراف الزاني، أو شهادة أربعة رجال عدول شهدوا وقوعه في الزنا، ومن نسب لغيره الوقوع في الزنا من غير بينة: فقد وقع في القذف، وهو من كبائر الذنوب، ويستحق صاحبه ثمانين جلدة، وهو الحد المترتب على القذف.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/٤-٥.

ثانياً:

إن ثبت عند السائلة ما جاء في السؤال من وقوع الزوج في جريمة الزنا بأم زوجته: فليُعلم أنهما مستحقان لعذاب الله وسخطه، ومستحقان للعقوبة في الدنيا، أما المرأة: فلأنها محصنة؛ فإنها تستحق الرجم حتى الموت، وأما هو فإن كان محصناً: فمثل حكمها، وإن لم يكن محصناً، وإنما وقع منه الزنى قبل زواجه: فحدُّه مائة جلدة.

قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) النور/٢.

وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ.

رواه البخاري (٦٤٣٩) ومسلم (١٦٩١) .

والمحصَن: هو من سبق له الزواج والدخول، ولو حصل بعد زواجه طلاق أو وفاة زوج أو زوجة.

بل قال الإمام أحمد – في رواية عنه – فيمن فعل ذلك " يقتل على كل حال " يعني أن من زنى بمحرم من محارمه، قتل، سواء كان محصناً أو لا، وسواء كان محرماً من النسب أو المصاهرة أو الرضاع.

قال ابن قدامة: " وبهذا قال جابر بن زيد، وإسحاق، وأبو أيوب، وابن أبي خيثمة " اهـ "المغني" (١٢/٣٤١)

قال ابن القيم رحمه الله: " وأما إن كانت الفاحشة مع ذي محرم، فذلك الهُلك كل الهُلك، ويجب قتل الفاعل بكل حال، عند الإمام أحمد وغيره.. "

" روضة المحبين" ص (٣٧٤)

وهل يوجب زناه بأمها تحريم نكاحه ابنتها، أو فسخ النكاح القائم: وقع خلاف بين العلماء في هذا، والراجح عدم تحريم نكاحها، وعدم فسخ النكاح.

وقد بيَّنا حكم هذه المسألة وفصَّلناها في جواب السؤال رقم (٧٨٥٩٧) فلينظر.

ثالثاًً:

الواجب على الزوجة الآن:

١. عدم بناء أحكام أو تصرفات على هذا الأمر إلا أن يثبت لديها قطعاً.

٢. نصح أمها – إن ثبت الادعاء بالزنى – بضرورة التوبة الصادقة.

٣. نصح زوجها بالتوبة الصادقة إن كان وقع الزنا بأمها بعد نكاحها، وضرورة إبعاده عن أمها في السكن واللقاء حتى لا يتكرر الفعل، وإن لم يتب من الفعل فلتسع في الطلاق، ولا يحل لها البقاء معه؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني للمؤمنة العفيفة.

على أننا نعلم شدة البلاء الذي نزل بالأخت الكريمة، فكم يحزن المرأة، ويشق عليها أن يزني زوجها!! وأشق من ذلك على النفس وأغيظ للقلب، ألف مرة ومرة أن تزني أمها!! فكيف إذا كان زوجها هو الزاني بأمها!! إن هذا لبلاء مبين.

نسأل الله تعالى أن يفرج همها، ويزيل كربها، وأن يرزقها الصبر والحكمة

على أننا ننصحها – قبل اتخاذ قرار كبير في حياتها – أن تتدبر جيداً في عاقبته:

إذا قررت الانفصال عن زوجها فهل يمكنها – حينئذ – أن تعيش مع أمها في بيتها، وهي التي فعلت وفعلت، ثم كان خرب بيتها على يدها؟!

نحسب أنه – إذا لم يكن عندها مأوى مناسب، ومحرم يقوم على شأنها ويرعاها – أن البقاء مع زوجها مع نصحه بالتوبة والاستقامة أهون من طلاقها والعيش في بيت أمها!!

فلتوازن هذه الأخت الكريمة بين نتائج قرارها، وبعض الشر أهون من بعض!!

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>