تعرفت على شخص عن طريق الهاتف ووعدها بالزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الذي أفعله حلال أم حرام؟ وهو أنني أعرف شخصا عن طريق الهاتف ووعدني بالزواج ولكن الظروف حكمت بتأجيل هذا الوعد ولكن مازلنا على اتصال ويقول هو إنه يعرفني تماما وشافني ولكن أنا لم أره أبدا. وأريد أوضح أيضا أن هذا الشخص أصغر مني بالعمر بسنتين. السؤال هل حلال أبقى على اتصال معه أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك سؤالك وحرصك على معرفة الحلال من الحرام في هذه الأمور التي تساهل فيها كثير من الناس، ونحمد الله أن جعل في قلبك يقظة إيمانية هي السر في خوفك من هذه العلاقة الهاتفية، فإن القلوب الحية هي التي تشعر بخطر المعصية، وتؤثِّر فيها الجراحة، وأما القلوب الميتة، فإنها غافلة لا تحس ولا تتألم، كما قيل: فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (٢٥٥٣) .
ثانيا:
كلام المرأة مع الرجل عن طريق الهاتف أو غيره، إذا كان يدعو للفتنة لها أو بها، فهو محرم، ومن ذلك الكلام في الأمور العاطفية من الحب والغرام والتعلق، والوصف، والوعد باللقاء ونحو ذلك، فإن هذا مقدمة الفاحشة، وهو من خطوات الشيطان لاصطياد العفيفات الغافلات، فلا يزال الذئب يلين الكلام، وينسج الخيال، ويكثر الوعود، ويحلف الأيمان، حتى تقع المرأة فريسة بين يديه، فيا لله كم من أعراض انتهكت، وكم من محارم اقترفت، وكم من مصائب وآهات وآلام، والخطوة الأولى كانت اتصالا عن طريق الهاتف.
وأكثر هؤلاء الذئاب كذابون مخادعون، لا يعرفون معنى للحب الحقيقي، ولا يطمعون في زواج شريف، ولكنهم يسعون للرذيلة، ويسارعون في إرضاء الشيطان، وقد صرح بعضهم أنه يفعل ذلك تارة للعبث، وتارة لحب السيطرة والإغواء، وتارة للفخر بأنه أوقع فلانة وفلانة، والله المستعان.
فيا أيتها الأخت المسلمة الحذر الحذر، والنجاة النجاة، فإن من أعز ما تملك المرأة شرفها وحياءها وعفتها، وهذا الذئب اللئيم لا يتورع عن ذكر فريسته بين المجالس وأنه قال لها كذا، وفعل بها كذا، حتى يغدو ذكرها على لسان الفسقة مستباحا، وربما استدرجها للقاء، أو سجل صوتها، أو أخذ صورتها، فجعل ذلك مادة للابتزاز والتخويف والتوصل إلى ما هو أعظم، عافاك الله وصانك من كل سوء.
وهذا الذي نذكره ليس كلاما يراد منه تخويفك، ولكنه إشارة إلى عشرات القصص الواقعية التي وقعت في هذا الزمان، مع انتشار الهواتف ومواقع الشات، وهي قصص محزنة مخجلة، تدل على مدى قسوة هؤلاء العابثين، ومدى ضعف المرأة أمام استدراجهم ومكرهم، وتدل أبين دلالة على عظمة قول ربنا سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/٢١، فإن الكلمة في الهاتف قد تكون خطوة من خطوات الشيطان، وهكذا النظرة، والابتسامة، ولين الكلام، يتلقفها من في قلبه مرض، ويبني عليها جبالا من الأوهام والظنون والخيالات، تُنتج طمعاً وسعياً ومكراً وتدبيراً في الباطل، قال الله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/٣٢
ونحن نسأل أختنا– صانها الله وحفظها – هل تخلو مكالمة هاتفية بين شاب وشابة من الخضوع بالقول، والضحك وترقيق الكلام وتزيينه؟! كيف وهما يتحدثان عن الزواج والرغبة في الوصال؟ فكيف لا تكون الفتنة، وكيف لا يكون التعلق، وكيف لا يطمع القلب المريض؟!
إن زعم هؤلاء الماكرين أنهم يريدون الزواج زعم كاذب، فإن طريق الزواج معروف، وبابه مفتوح، وهم لا يجهلونه، ولكنهم يفرون منه، ويبتعدون عنه، ويلجئون إلى حيل الشيطان وخدعه. ثم إن رغبة شخصٍ ما في امرأةٍ ما لا يعني أنه يصلح لها زوجا، فربما كان دونها في كل شيء، في السن والعلم والمنزلة والمال، مما يعني رفضه وعدم قبوله في غالب الأحوال، فكيف تصبح مجرد الرغبة من شخصٍ مجهول مسوغاً للتعرف على الفتاة والاسترسال معها والحديث إليها ومواعدتها بالزواج؟! وكيف ترضى العاقلة أن تتعلق بمجهول الهوية والحال، يمنّيها بالزواج، وتنتظر منه القدوم، وربما كان لا يصلح، بل ربما لو رأته لآثرت العنوسة على الزواج منه.
فبادري إلى قطع هذه العلاقة، والندم عليها، وسؤال الله المغفرة والصفح، واشتغلي بما ينفعك في أمور دينك ودنياك، واعلمي أن الزوج الصالح رزق يسوقه الله تعالى إلى المرأة الصالحة، وقد وعد سبحانه أهل طاعته بالمزيد من فضله فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/٩٧
فأكثري من الطاعة والإنابة، وسدي كل باب للفتنة، وكوني شامة نقية لا يطمع فيها طامع، ولا يرتع حول حماها راتع.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب