للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجبرها زوجها على نقل كل ما تسمعه من أهلها والناس له!

[السُّؤَالُ]

ـ[زوجي يجبرني على أن أخبره بكل ما تحدثتُ به مع أمي، وإخوتي، أو أي إنسان آخر؛ بحجة أن أمي – مثلاً - تقول كلاماً ممكن أن يؤدي إلى خراب البيت، وإذا لم أقل له تحصل مشكلات بيني وبينه، فهل أستجيب له؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

١. الواجب على هذا الزوج – إن صح ما تقوله زوجته عنه – أن يتقي ربه تعالى في طلبه ذلك من زوجته، وأن يعلم أنه آثم بفعله هذا، وأنه لا يحل لزوجته أن تطيعه في طلبه هذا.

٢. ونوصي هذا الزوج أن يشتغل بنفسه عن الناس، وينظر لعيوبه فيصلحها، ولتقصيره فيجد ويجتهد في بلوغ كمال نفسه الأمارة بالسوء، فهو خير له وأولى من الاشتغال بالناس ماذا قالوا، وماذا فعلوا، قال ابن القيم رحمه الله: " أخسر الناس صفقة: مَن اشتغل عن الله بنفسه، بل أخسر منه: مَن اشتغل عن نفسه بالناس ". "الفوائد" (ص ٥٨) .

٣. ولا ينبغي له إساءة الظن بالناس، واعتقاد الكمال في نفس، وليس كل ما يقوله الناس يهمه ويتعلق به، وإنما هي الشهوة في سماع قصص الناس وأحوالهم، والتفكه بأعراضهم.

٤. وكان المرجو من ذلك الزوج ألا يقبل من زوجته إن نقلت هي ما يقوله أهلها ويقوله الناس لها، حتى لو كان الكلام فيه، لأنها بذلك تكون نمَّامة، وقد قال بعض السلف: " يُفسد النمَّام والكذَّاب في ساعة ما لا يُفسد الساحر في سنَة "، فكيف له أن يقبل لنفسه أن يكون هو الموصي لها بذلك، بل الآمر، بل والمتوعد بالعقوبة إن لم تفعل!؟ .

قال النووي – نقلا عن أبي حامد الغزالي رحمهما الله:

" وكل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا: فعليه ستة أمور:

الأول: أن لا يصدِّق؛ لأن النمام فاسق.

الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح له فعله.

الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض مَن أبغضه الله تعالى.

الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.

الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس، والبحث عن ذلك.

السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمَّاماً، ويكون آتياً ما نهى عنه " انتهى.

" الأذكار " (٢٧٥) .

٥. ما يريده الزوج من زوجته هو من " النميمة "، وهي من كبائر الذنوب، ومما لا شك فيه أن هذا النقل سيسبب مفسدة وقطيعة وبغضاً وعداوة، ولا شك أن أهل الزوجة يكرهون نقل كلامهم، وليعلم أن النميمة ليست فقط نقل الكلام من أجل الإفساد، بل قد تكون للاستمتاع.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

" مما ينبغي اجتنابه، والابتعاد عنه، والتحذير منه: " النميمة "، التي هي نقل الكلام من شخص إلى آخر، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة، لقصد الإفساد، والوقيعة بينهم، وهي كشف ما يُكره كشفه، سواء أكره المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو كره ثالث، وسواء أكان ذلك الكشف بالقول، أو الكتابة، أو الرمز، أو بالإيماء , وسواء أكان المنقول من الأقوال، أو الأعمال , وسواء كان ذلك عيباً، أو نقصا في المنقول عنه، أو لم يكن، فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر.

والباعث على النميمة: إما إرادة السوء للمحكي عنه، أو إظهار الحب للمحكي عليه، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام.

...

وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم/ ١٠، ١١، وقوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/ ١، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) متفق عليه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة، القالة بين الناس) رواه مسلم.

والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: (إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير) ، ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة) متفق عليه.

وإنما حرمت الغيبة والنميمة لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس، وإيجاد الشقاق، والفوضى، وإيقاد نار العداوة، والغل، والحسد، والنفاق، وإزالة كل مودة، وإماتة كل محبة، بالتفريق، والخصام، والتنافر بين الإخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب، والغدر، والخيانة، والخديعة، وكيْل التهم جزافاً للأبرياء، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح، ولأنهما من عناوين الجبن والدناءة والضعف، هذا إضافة إلى أن أصحابهما يتحملون ذنوباً كثيرة، تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه ".

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٣ / ٢٣٧ – ٢٣٩) باختصار.

و" العَضَّة " قيل: هو السحر بلسان قريش. وقيل: هو الكذب والبهتان.

وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:

زوجي ينقل كلامي لأهله، ثم يأتي إليَّ بكلامهم، فيترتب على ذلك مشاكل كثيرة، ولقد طلبت منه كثيراً ترك ذلك لكنه لم متثل، فكيف أصنع؟ .

فأجاب:

" هذا الفعل يسمَّى نميمة، وهي نقل الكلام على وجه التحريش والإفساد ... وأما الوعيد: فقد قال تعالى (همَّاز مشَّاء بنميم) القلم/ ١١، هذا في وصف بعض أهل النار، وقال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة/ ١، وهو النمَّام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام) ، وفي الأثر: " إن النمام يفسد في الساعة ما لا يفسد الساحر في السنة "، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن النمام يعذب في قبره) ، ولا شك أن التحريم يكون أشد إذا كان بين الرجل وزوجته وأقاربه، فعليه الخوف من الله تعالى والمراقبة له، والبعد عن الأسباب التي توقعه في العذاب العاجل والآجل، وعليه أن يجتنب الكذب، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والتحريش بين الناس، وأن يعدل إلى الصدق، وصيانة الأعراض، والخوف من الله، ومراقبته، فهو شديد العقاب " انتهى.

" الحلول الشرعية للخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية " للشيخ عبد الله بن جبرين (فتوى رقم ٤٢) .

فعلى الزوج أن يتراجع عن طلبه هذا من زوجته، فإن أصرَّ فلا يحل للزوجة الاستجابة لطلبه، ففي الموافقة على نقل الكلام استمرار للمعصية والسماع لها، وفي الامتناع كف عنها وقطع لوجودها.

وإذا خشيت الزوجة من حصول مشكلات بينها وبين زوجها، فلا حرج عليها إن أصرّ زوجها على أن تنقل له كلام أهلها، أن تقول له: إنهم يثنون عليك ويذكرونك بخير، ونحو ذلك من الكلمات التي تنشر المحبة والألفة وتطفئ نار الفتنة والخلافات بين زوجها وأهلها.

ونسأل الله تعالى أن يُصلح لك زوجك ويجمع بينكما في خير.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>