أحاديث المهدي ونزول المسيح عليه السلام ليست مدعاة لترك العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يفهم من أحاديث المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، أنها مدعاة لترك العمل للإسلام، فيجلس منتظراً خروج المهدي، أو نزول المسيح حتى تعود العزة للإسلام والمسلمين، فما رأيكم في هذا الفهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن هذه الحال المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية اليوم، حال يندى لها الجبين، وكل المسلمين مسئول عن إصلاح هذا الوضع، غير أن بعض المسلمين يعطل العمل، اكتفاءً بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير للأمة بحجة أنه تسبب فيه من قبلنا، وسيصلحه من بعدنا!! ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله، بحجة أن المهدي هو الذي سيفعل.
إنه هروب إلى الأماني مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) النساء/١٢٣.
إن هذه السلبية التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم، لا يمكن للنصوص الشرعية أن تكون دالة عليها، وإنما هو سوء الفهم، والعجز والكسل، والهروب من تحمل المسئولية.
فإن الله تعالى أمر المسلمين بالعمل لهذا الدين، والدعوة إلى الله، ومجادلة الكفار ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وقتالهم حتى لا يكون شرك على الأرض، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال-٣٩.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أمر تعالى بقتال الكفار (حتى لا تكون فتنة) أي شرك (ويكون الدين لله) أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان " انتهى.
وهذا الأمر ليس خاصاًًّ بزمان دون زمان، بل المسلمون في كل زمان ومكان مأمورون بهذا.
ولا شك أن العمل للإسلام وتمكينه في الأرض يستلزم من المسلمين الاجتهاد والبذل والأخذ بالأسباب المؤدية إلى هذا.
وبعض الناس يسيء فهم هذه الأحاديث الواردة في خروج المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فيتواكل ويترك العمل ويجلس منتظراً لخروج المهدي أو نزول المسيح فيترك الدعوة إلى الله ... والعمل لإعلاء كلمة الله. وقد أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأخذ بالأسباب والسعي في الأرض والعمل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) النساء/٧١.
وقال سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/٦٠. وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/١٥. وقال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/٢٦. وقال سبحانه: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات/٦١. وقال جل وعلا: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الإسراء/١٩. وقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/١٩٧.
وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يعُدّ لكل أمر عدّته، ويرسم له خطّته، كما حدث في رحلة الهجرة فقد أعدّ الرواحل والدليل واختار الرّفيق، وحدد مكان الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياج من الكتمان، وكذلك كانت سيرته في غزواته كلّها، وعليه ربّى أصحابه الكرام، فكانوا يلقون عدوّهم متحصنين بأنواع السلاح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة والبيضة (الخوذة) على رأسه مع أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة/٦٧. وكان إذا سافر في جهاد أو حجّ أو عمرة حمل الزاد والمزاد.
وقال صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ) رواه مسلم (٢٦٦٤) .
ولنا أن نتخيّل الحال التي كان يمكن أن يؤول إليها مصير الدعوة والأمة لو أن الأجيال السابقة أصغوا إلى نداءات الاستسلام حتى يخرج المهدي، هل كانوا سيهزمون التتار والصليبين ويفتحون القسطنطينية؟!
وهذا الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية الواردة في شأن المهدي والمسيح عليه السلام قد تصدى له كثير من العلماء والدعاة والكتاب.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" لا يجوز للمسلمين أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض انتظاراً منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى ـ عليهما السلام، يأساً منهم أو توهماً أن ذلك غير ممكن قبلهما، فإن هذا توهّم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/٧. وقوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) الحج/٤٠. . . . إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام وغيرها، الواجب فيها الإيمان بها، وردّ ما توهّمه المتوهّمون منها من ترك العمل، والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان.." انتهى.
وقال الأستاذ عبد العزيز مصطفى:
" جهاد الكفار أياً كانوا وأينما كانوا وفي أي زمان كانوا واجب بالشرع المحكم غير المنسوخ، وهذه حقيقة إسلامية ثابتة، وهذا الجهاد واجب بشروطه، وضوابطه وأحكامه، وليس من هذه الشروط أو الضوابط أو الأحكام أن يؤخر الجهاد انتظاراً لتحول الغيب إلى شهادة، ما هكذا فهم المسلمون الأوائل، وما هكذا فعلوا، بل إنهم لما أُخبروا بأن الله تعالى سيكسر مُلك كسرى بسيوفهم ما قبعوا في البيوت ينتظرون تحقق الخبر، ووقوع الأمر بلا مقدمات يبذلونها، وجهود يقدمونها، لا، بل أعدوا للأمر عُدّته وأخذوا للشأن أهبته، حتى وقع النصر، وتطابق أمر الشرع مع أمر القدر ... أما بعض مسلمي اليوم فيقولون: لا.. إن جهاد اليهود لن يكون حتى يخرج الدجال. . ولعل هذا من جملة فِتن الدجال في هذه الدنيا.
وانطلى هذا الكلام السخيف على قطاعات من الشباب المسلم، فألقوا عن كواهلهم تحمل أية مسؤولية تجاه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، تماماً كما انطلى على كثير منهم من قبل كلام أسخف منه، مؤداه أن الدولة الإسلامية والخلافة لن تقوم حتى يخرج المهدي!!
وعجباً لمروجي هذا الكلام ومردديه، كأنهم يقولون بلسان حالهم لليهود: اشتدوا في عدائكم.. وللنصارى استمروا في طغيانكم.. وللمسلمين استمروا في تشتتكم وتفرقكم وتنازعكم وغثائكم، حتى يخرج المهدي إليكم، ولا أدري: بأية حجج وأدلة يقعون في هذه الزلّة، متوهمين أن المهدي سيخرج إلى قوم قاعدين أو سينصره أناس خاملون" انتهى.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً.
والله تعالى أعلم.
انظر: "المهدي وفقه أشراط الساعة" للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب