ـ[إذا كان كل البشر من نسل آدم، فهل يعني ذلك أن نكاح المحارم كان مباحا في أول الخليقة؟ ثم متى أصبح حراما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كانت الضرورة تقتضي أن يتزوج أبناء آدم عليه السلام بعضهم من بعض، كي يستمر النسل وتعمر الأرض.
وقد جاء في بعض الآثار: أنه لم يكن يولد لآدم عليه السلام مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن جاريةَ البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن، غلامَ البطن الآخر، وحرم على الغلام والجارية من البطن الواحد الزواج.
ورد ذلك في آثار رواها ابن جرير الطبري في "تفسيره"(١٠/٢٠٥-٢٠٧) عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم.
ثم لا نجد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ذكرا تاريخيا لمراحل أحكام المحارم في الزواج، ومدى درجة القرابة التي توجب المحرمية، لكن الذي نجده أن القرآن الكريم حرم زواج المحارم، وعبر درجات موسعة، تشمل الزواج من ابنة الأخ، وابنة الأخت، وزوجة الأب، بل وتشمل المحارم بسبب الرضاع، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) النساء/٢٣.
وكل من خاض في مراحل أحكام زواج المحارم عبر التاريخ، وتفاصيل ذلك، إنما خاض في أمور مظنونة في حوادث التاريخ وشرائع المرسلين، تعتمد في أكثرها على المنقول عن أهل الكتاب، وهي – كما لا يخفى – مظنة للأخطاء والأوهام والزيادة والنقصان، ينقلها المؤرخون في قصة آدم عليه السلام، كما ينقلها بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة/٢٧.
كما يبحثها بعضُ المعاصرين من خلال التوراة والإنجيل المحرفتين اليوم، وبعض كتب تاريخ الأمم السابقة.
والعلم بوقت تحريم نكاح المحارم في الشرائع السابقة ليس مفيداً لنا، إذ لو كان كذلك لذكره الله تعالى، أو ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لم يترك شيئاً نافعاً مفيداً إلا ذكره لنا، والذي يعنينا هو أن الله تعالى حرم نكاح المحارم في كتابه تحريماً قاطعاً، وعلى هذا دلت السنة النبوية وإجماع المسلمين.