الزنا بالمحارم أعظم إثما وجرما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حد زنا المحارم؟ وهل هناك توبة منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزنى بذوات المحارم أعظم إثما من الزنى بغير المحارم، لما فيه من القطيعة والأذى والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الزاني بالمحارم يقتل مطلقا، سواء كان محصنا أو غير محصن، وهي رواية عن أحمد رحمه الله. والجمهور على أنه يحد حد الزاني، فيرجم المحصن، ويجلد غير المحصن مائة جلدة، وإن كان إثمه أعظم.
وقال في "مطالب أولي النهى" (٦/١٨١) : " وزان بذات محرم كأخته كزان بغيرها ; لعموم الأخبار وعنه ; أي: الإمام أحمد: يقتل زان بذات محرم بكل حال أي: محصنا كان أو لا , قيل له: فالمرأة؟ قال: كلاهما في معنى واحد. والمذهب ما تقدم (يعني أن الزنا بذات المحرم كغيرها) " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله عن وطء الأم والبنت والأخت: " فإن النفرة الطبيعية عنه كاملة، مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود في أحد القولين وهو القتل بكل حال محصنا كان أو غير محصن، وهذه إحدي الروايتين عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه وجماعة من أهل الحديث. وقد روى أبو داود من حديث البراء بن عازب قال: لقيت عمى ومعه الراية فقلت له: إلى أين تريد؟ قال بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله. [صححه الألباني في إرواء الغليل (٢٣٥١) ] .
وفي سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) . [ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (٥٥٢٤) ] .
..... وقد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين، فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إلى أن حده حد الزاني، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال " انتهى من "الجواب الكافي" ص (٢٧٠) باختصار.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بقتل الزاني بذات المحرم بكل حال.
قال: " وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين الزنا بذوات المحارم وغيرهم، ولكن بذوات المحارم فيه القتل بكل حال، لحديث صحيح ورد في ذلك، واختار ذلك ابن القيم في كتاب الجواب الكافي على أن الذي يزني بذات محرم منه فإنه يقتل بكل حال.
مثلا: لو زنى بأخته والعياذ بالله أو بعمته أو خالته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها، وما أشبه ذلك فإنه يقتل بكل حال؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال، لأنه من محارمه، ولأن هذه فاحشة عظيمة , وورد في ذلك أيضا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل من أتى محرما من محارمه، وهو رواية عن أحمد، وهي الصحيحة أن من زنى بذوات المحارم يقتل ولو كان غير محصن " انتهى من "الشرح الممتع" (٦/١٣٢) ط. هجر.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٤/٢٠) : " يتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده. فالزنى بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها , إذ فيه انتهاك حرمة الزوج , وإفساد فراشه , وتعليق نسب عليه لم يكن منه , وغير ذلك من أنواع أذاه. فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات البعل والأجنبية. فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار. وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى , وذلك من أعظم البوائق , فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) . ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأة الجار. فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالعبادة , وطلب العلم , والجهاد , تضاعف الإثم، حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة , فيأخذ من عمله ما شاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم , وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم , إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟) رواه مسلم (١٨٩٧) . أي: ما ظنكم أن يترك له من حسناته؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة , فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها , فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم , فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة , فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام , أو بلد حرام , أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم " انتهى.
ثانيا:
من ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى، فإن التوبة تصح من كل ذنب مهما كان عظيما، قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/١٠٤.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ َعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/٦٨- ٧٠. وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/٨٢، وفي هذه الآية إرشاد إلى أن التائب ينبغي له أن يكثر من الأعمال الصالحة، وأن يسلك طريق الهداية، ويبتعد عن أسباب الغواية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب