علم بعد العقد أن زوجته تشك في وجود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد زواجي ببضعة أشهر، علمت أن زوجتي غير مسلمة.. بداية كان الظاهر لي أنها مسلمة لكنها لا تحافظ على الفروض، ولم أكن أحافظ على الفروض كذلك ... أما الآن وقد قالتها صراحة أنها ليست متأكدة إذا ما كان هناك رب أم لا؟ وأعتقد أن الأصل في الإيمان هو اليقين.. فهل هي ملحدة؟ وإن كان، فهل يكون زواجي منها باطلاً؟ أو أصبح باطلاً بمعرفتي هذا؟ وكيف يكون التصرف؟ وإذا ما أسلمت في حال كون الزواج باطلاً فهل أعقد عليها بعقد جديد؟ أم يصبح العقد الموقّع سارياً؟ وكيف يكون الوضع إجرائياً بالنسبة لمصر؟ هل يجب عليّ أن أخبر والدها لإجراء عقد جديد.. وهو متدين للغاية وأخشى عليه إن علم بأمر ابنته.. أفيدونا، أفادكم الله ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الإيمان لايكون صحيحاً إلا إذا كان اعتقاداً جازماً، فمتى دخله الشك لم يكن إيماناً صحيحاً، وحكم على صاحبه بالردة والخروج من الإسلام.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات/١٥.
قال السعدي رحمه الله:
"شَرَطَ تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص ٨٠٢) .
وروى مسلم (٢٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
فمتى شك المسلم في وجود الله خرج بذلك من الإيمان، وكان كافراً مرتداً.
ثانياً:
ذكرت أنكما لم تكونا تحافظان على الفروض [الصلاة] : فإن كان قصدك بعدم المحافظة على الصلاة: عدم الصلاة مطلقاً، فهذا كفر وخروج من الإسلام، وإن كان قصدك: الصلاة أحياناً وتركها أحياناً، فهذا لا يكون كفراً. وانظر جواب السؤال رقم (٨٩٧٢٢) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيدكم أنني قد كنت لا أصلي إلا نادراً، وقد تزوجت في تلك الفترة من حياتي، وأنا اليوم والحمد لله أصلي، وقد حججت وتبت إلى الله، ولكن لا أدري ما حكم عقد النكاح، هل هو جائز أم لا، وماذا أفعل إذا كان غير جائز؟ علماً أن لي من هذه الزوجة ٥ أطفال.
فأجابوا: "إن كانت الزوجة حين العقد مثلك لا تصلي أو تصلي تارة وتترك أخرى فالنكاح صحيح، ولا يلزم تجديده؛ لكونكما مستويين في الحكم المتعلق بترك الصلاة وهو: الكفر.
أما إن كانت المرأة حين عقد الزواج محافظة على الصلاة، فالواجب تجديد العقد في أصح قولي العلماء، إذا كان كل واحد منكما يرغب في الآخر، مع لزوم التوبة من ترك الصلاة والاستقامة عليها.
أما الأولاد الذين ولدوا قبل تجديد العقد فهم شرعيون، لاحقون بآبائهم من أجل شبهة النكاح. ونسأل الله لكما الصلاح والتوفيق لكل خير" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٨/٢٩٠) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "أما إذا كانا لا يصليان جميعاً حين العقد ثم هداهما الله واستقاما على الصلاة، فإن النكاح صحيح، كما لو أسلم غيرهما من الكفار، فإن نكاحهما لا يجدد إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بقاء النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا في عام الفتح وغيره بتجديد أنكحتهم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (١٠/٢٩١) .
ثالثاً:
أما صحة النكاح ففي ذلك تفصيل، ونحن نذكر لك هذا التفصيل لتعلم منه الحكم، فإن أشكل عليك شيء، فأعد إرسال السؤال مرة أخرى، محدداً الحالة التي تسأل عنها.
إذا تم عقد النكاح وأحد الزوجين مسلمٌ والآخر مرتدٌ، فعقد النكاح بينهما باطل، ووجوده كعدمه، لأن المسلم لا يجوز له أن يتزوج مرتدة، وكذلك المسلمة لا يجوز لها أن تتزوج كافراً أو مرتداً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الممتحنة/١٠.
قال ابن قدامة في "المغني" (٧/١٠١) :
"وَالْمُرْتَدَّةُ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَتْ" انتهى.
أما إذا تم عقد النكاح بين الزوجين وهما كافران أو مرتدان فنكاحهما صحيح، فإن أسلما فهما على نكاحهما السابق، ولا حاجة إلى إعادته.
فإن أسلم أحد الزوجين الكافرين أو ارتد أحد الزوجين المسلمين بعد العقد، واختار الآخر انتظاره لعله يرجع إلى الإسلام فلا حرج في ذلك، ومتى رجع إلى الإسلام فهما على نكاحهما السابق، وتحرم المعاشرة بينهما حتى يرجع المرتد منهما إلى الإسلام.
فإن لم يرجع انفسخ النكاح بينهما.
وانظر جواب السؤال رقم (٢١٦٩٠) ، (٨٩٧٢٢) .
رابعاً:
إذا كان العقد الذي بينكما باطلاً، حسب التفصيل السابق فلابد من إعادته بعد رجوع الزوجة إلى الإسلام، وحينئذ لابد من إخبار والدها بذلك لأنه لا يمكن أن يصح العقد إلا بموافقته، لأنه وليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيّ) رواه الترمذي (١١٠١) وصححه الألباني في "سنن الترمذي".
والذي ننصحك به هو مناقشة الزوجة ومعرفة سبب تطرق الشك إلى قلبها ومحاولة علاج ذلك، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (٢٦٧٤٥) الأدلة على وجود الله تعالى.
فإن استجابت فالحمد لله، وإن لم تستجب فلابد من إخبار أبيها بذلك، لأن له ولاية عليها، وله من التأثير عليها ما ليس لغيره، لا سيما وقد ذكرت أنه متدين للغاية، ومثل هذا لا يمكن أن تخفي عنه ارتداد ابنته وخروجها من الإسلام.
ولكن لابد من التفاهم معها بهدوء ولين حتى يكون ذلك أدعى لقبولها ورجوعها إلى الحق.
ونسأل الله تعالى لكما الهداية والتوفيق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب