للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم التقاط الصور خلسة ونشرها

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم التقاط الصور خلسة، وخصوصاً صور النساء ثم القيام بنشرها في الجوالات أو عن طريق الإنترنت، والمرأة المسكينة لا تدري؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

هذا الفعل لا شك أن محرم، وقد اشتمل على عديد من المحظورات الشرعية، والتي منها:

١- التعدي على حدود الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) .

٢- إطلاع على العورات محرم. وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

٣- هتك حرمة المسلم: وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم.

٤- إذا كان المصوِّر مؤتمنا على رؤية العورة كالطبيب، أو صديقتها ونحو ذلك، كان في تصويرها ونشر ذلك خيانة للأمانة. والنصوص في ذم الخيانة كثيرة معروفة، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ) رواه أحمد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧١٧٩) .

٥- في هذا الفعل: أذية للمؤمنات، وقد توعد الله تعالى من آذى المؤمنين والمؤمنات بغير جرم منهم بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/٥٨.

(بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير جناية منهم موجبة للأذى (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً) حيث آذوهم بغير سبب (وَإِثْماً مُبِيناً) حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها.

انظر تفسير السعدي (ص ١١٢٠) .

ويزداد الفعل إثما إذا كان في ذلك أذية للجار.

روي مسلم (٤٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) .

(بَوَائِقَهُ) أَيْ دَوَاهِيَهُ , وَالْمُرَادُ الشُّرُورُ كَالظُّلْمِ وَالْغِشِّ وَالْإِيذَاءِ.

٦- فيه شبه بالمنافقين الذين كانوا يتعرضون للمؤمنات، فتوعدهم الله عز وجل بقوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا) الأحزاب/٦٠،٦١.

(لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم.

ولم تذكر الآية الفعل الذي ينتهون عنه، ليعم كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس له، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسبِّ الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء.

انظر: "تفسير السعدي" (ص ١١٢١) .

٧- مخالفة الشرع الذي أوجب الاستئذان قبل دخول البيوت، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .

قال الإمام البخاري رحمه الله:

بَاب الِاسْتِئْذَان مِنْ أَجْل الْبَصَر.

قال الحافظ:

أَيْ شُرِعَ مِنْ أَجْله ; لأَنَّ الْمُسْتَأْذِن لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْن لَرَأَى بَعْض مَا يَكْرَه مَنْ يَدْخُل إِلَيْهِ أَنْ يَطَّلِع عَلَيْهِ , وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الأَدَب الْمُفْرَد " وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيث ثَوْبَانَ رَفَعَهُ: (لا يَحِلّ لامْرِئٍ مُسْلِم أَنْ يَنْظُر إِلَى جَوْف بَيْت حَتَّى يَسْتَأْذِن فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ) صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد. أَيْ: صَارَ فِي حُكْم الدَّاخِل , وَلِلأَوَّلَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِسَنَدٍ حَسَن رَفَعَهُ: (إِذَا دَخَلَ الْبَصَر فَلا إِذْن) اهـ.

ثم روى البخاري (٦٢٤١) ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) .

" مِنْ جُحْر فِي حُجَرٍ " الأَوَّل هُوَ كُلّ ثَقْب مُسْتَدِير فِي أَرْض أَوْ حَائِط , وَالثَّانِي جَمْع حُجْرَة وَهِيَ نَاحِيَة الْبَيْت.

وقال النووي:

(مِدَرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسه) . الْمِدْرَى حَدِيدَة يُسَوَّى بِهَا شَعْر الرَّأْس , وَقِيلَ: هُوَ شِبْه الْمِشْط.

(إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْن مِنْ أَجْل الْبَصَر) مَعْنَاهُ أَنَّ الاسْتِئْذَان مَشْرُوع وَمَأْمُور بِهِ , وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلا يَقَع الْبَصَر عَلَى الْحَرَام , فَلا يَحِلّ لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُر فِي جُحْر بَاب وَلا غَيْره مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّض فِيهِ لِوُقُوعِ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة. وَاللَّه أَعْلَم.

وروى البخاري (٦٢٤٢) ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ.

قال الحافظ:

" بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِص " نَصْل السَّهْم إِذَا كَانَ طَوِيلا غَيْر عَرِيض.

وقَوْله " يَخْتِل " أَيْ يَطْعَنهُ وَهُوَ غَافِل.

ويدل الحديث على جواز عقوبة من اطلع في البيت بغير إذن صاحبه برميه بشيء ولو فقأ عينه.

وروى مسلم (٢١٥٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ) .

قال النووي:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ اِطَّلَعَ فِي بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه) قَالَ الْعُلَمَاء مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا نَظَر فِي بَيْت الرَّجُل فَرَمَاهُ بِحَصَاةِ فَفَقَأَ عَيْنه. وَهَلْ يَجُوز رَمْيه قَبْل إِنْذَاره؟ فِيهِ وَجْهَانِ لأَصْحَابِنَا: أَصَحّهمَا جَوَازه لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَاللَّه أَعْلَم.

٨- في هذا الفعل إفساد للمجتمع، وإشاعة للفاحشة والفساد، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .

فإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن أحب بقلبه أن تشيع الفاحشة وتظهر، فكيف بمن يظهرها وينقلها؟! لا شك أن عقوبته أشد، وإثمه أعظم.

٩- الاحتفاظ بالصورة إصرار على المعصية، وانتهاك حرمات الله، فيبعد صاحبها عن التوبة. قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: لا صغيرة مع إصرار.

١٠- نشره للصورة مجاهرة بالذنب الذي اقترفه، فيكون بعيدا عن رحمة الله وعفوه ومغفرته. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا! وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) متفق عليه.

نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>