للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم السندات ذات الكوبون الصفري والمحمية من التضخم

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي أنماط الدخل الثابت التي تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك في حال وجود أنماط تتفق مع تلك المبادئ؟ وهل تتفق سندات الكوبونات المالية الحالية معها؟ وما هو حكم سندات الخزائن المالية المحمية من التضخم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله:

أباح الله عز وجل البيع وحرم الربا، فأباح للناس تقليب أموالهم لطلب الربح بكل صور الاستثمار إذا خلت تلك الاستثمارات من الربا أو بيع الحرام وخلت من الغرر والظلم،

فقال سبحانه وتعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/٢٧٥.

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عند تفسير الآية: "وأحل الله البيع لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع" انتهى.

وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/٢٩.

فأنواع التجارات الأصل فيها الحل والإباحة إلا إذا تضمنت أكل أموال الناس بالباطل، فإنها تحرم حينئذ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (٢٩/٢٣) وهو يتكلم عن العقود: "والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات، والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق.

وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا والميسر" انتهى.

ومن الحِكَم التي ذكرها أهل العلم في تحريم الربا: أن الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، لأن المرابي يحصل على المال من غير تعب ولا مشقة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تحصل إلا بالتجارة والحرف والصناعة والزراعة.

ولا يوجد في الشريعة الإسلامية عقد يبيح للشخص أن يدفع نقوده لآخر ليأتيه بها بعد مدة وعليها ربح مضمون، فإن هذا ـ وإن سماه الناس بما أسموه ـ فإنه حرام باتفاق أهل العلم، وهو إما صورة من صور الربا، أو صورة من صور المشاركات الفاسدة المحرمة.

ومن هذا القبيل (الربا) : الاستثمار في السندات بأنواعها، ما دامت تعني أن يدفع المستثمر مبلغاً معيناً لجهة ما، وتلتزم تلك الجهة برد ذلك المبلغ مع فائدة منسوبة إليه، أو نفع مشروط، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي سنذكره لاحقاً.

ومن هذه السندات المحرمة: ما يسمى بالسند ذي الكوبون الصفري، وحقيقة هذا النوع من السندات بينها الباحثون في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إذ جاء في "مجلة المجمع " (٢١/٤٣) في مناقشة موضوع الأسواق المالية: "الكوبون الصفري هو ذلك المثال الذي تصدر فيه القيمة الاسمية بـ ١٠٠٠ فيباع بـ ٩٥٠ ويدفع المُصْدِر ١٠٠٠ عند الاستحقاق، ولا تدفع عليه فوائد خلال المدة، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات" انتهى.

وإذا تبين هذا؛ فإن هذا النوع من السندات كغيره من السندات الأخرى التي تعني إقراض مبلغ بشرط أن يُرَدَّ بزيادة، وإن سمي بغير ذلك.

ومثل ذلك أيضاً: السندات المحمية من التضخم، وهي سندات تتغير قيمتها الاسمية حتى تتماشى مع واقع التضخم، وهذا معناه أنها ستزيد بزيادة نسبة التضخم، وهذا أيضاً من الربا، لأن فيه اشتراط زيادة على القرض، لكن هذه الزيادة هنا غير محددة.

وإذا علمنا حقيقة السندات المحرمة، وسبب تحريم الشرع لها سهل علينا معرفة حكم ما يظهر من أسماء جديدة للسندات، إذ أشكال السندات لا تنتهي، بل كما يقول الباحثون في هذا الشأن: تكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد وابتكار جديد في الأوراق المالية.

وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بَيَّنَ حكم السندات، وما هو البديل الإسلامي عنها، إذ جاء في قراره رقم (٦٠/١١/٦) : "بعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط، سواء أكان جوائز بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصماً.

قرر:

١- إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.

٢- تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات.

٣- كما تحرم أيضاً السندات ذات الجواز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.

٤- من البدائل للسندات المحرمة –إصداراً أو شراءً أو تداولاً-: السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً" انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>