والده يؤخر زواجه وهو في أشد الحاجة له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز آمل فى أن تتمكنوا من مساعدتى فى حل مشكلة حرجة تزعجنى منذ سنوات، وأنا أسألكم بالله - سبحانه وتعالى - ألا تتجاهلوني، وأن تردوا بحق على سؤالى، فاتقوا الله وساعدونى بإبداء النصح إن شاء الله. كرجل يبلغ من العمر ٢٧ عاماً فإنى امتنعت عن الزنا مخافة الله تعالى، طوال هذا الوقت وأنا أبذل كل مابوسعى لإيجاد زوجة، لكني عاجز عن ذلك لأسباب كثيرة، كعدم توافق الشخصيات، وقلة ذات اليد، وخلافات أسرية حول الزواج (يعتقد والداي أنه ليس بوسعك الزواج إلا عندما تتجاوز ٣٠ عاماً) ... إلخ. موقع " الإسلام سؤال وجواب " العزيز ليس بوسعى السيطرة على نفسي أكثر من ذلك، فهذا الأمر بالغ الصعوبة عليَّ، وأنا مشتت الفكر للغاية، وأفكر فى النساء طوال الوقت، وقد قرأت رسائلكم السابقة، وبذلت كل ما بوسعى للصلاة، وقضاء الوقت بصحبة إخوة صالحين، وتذكر الله - سبحانه وتعالى -، وطلب مساعدته ... إلخ لكنه من الواضح أننى لن أتمكن من أظل على هذا الحال للأبد، برجاء تقديم النصح حول مايجب عليَّ القيام به، وماهى الخيارات المتاحة أمامي الآن، وما الذي يمكن لأي شخص بمكاني القيام به إن شاء الله؟ برجاء تقديم يد العون لي فلم يعد بوسعي الاستمرار أكثر على هذا الوضع؛ فإن هذه الرغبة ترهقني كثيراً. وجزاكم الله خيراً، برجاء مساعدتي، وتذكروا أن الله - سبحانه وتعالى - سيعلم إذا قمتم بتجاهل سؤالي ورفضتم مساعدتي بتقديم النصح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى الذي وفقك للتوبة، ونسأله عز وجل أن يثبتك على طاعته، والثبات لا بد له من الاستمرار والتواصل حتى تنال رضا الله، فالنفس تميل للشهوة والدنيا، والقلب يتقلب، ويحتاج المسلم للثبات على الطاعة وتثبيت القلب، وليس لك إلا الله تدعوه ليثبت قلبك على دينه، ويصرفه لطاعته.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) .
رواه الترمذي (٢١٤٠) وابن ماجه (٣٨٣٤) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فهذا خير خلق الله يسأل الله الثبات، فنحن أولى بهذا الدعاء.
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) .
رواه مسلم (٢٦٥٤) .
واعلم أخي الفاضل أن النفس إن لم تملأها بالحق: مُلئت بالباطل، وإن لم تشغلها بحب الله وحب رسوله: شغلتك بحب الشهوات والملذات المحرمة، وإن لم تعوِّدها على الطاعة: عوَّدتك على المعصية.
ثانياً:
نحن سنجتهد إن شاء الله في إبداء ما عندنا من النصيحة لك، والوقوف معك في محنتك، ونسأل الله تعالى أن يثبتك، ويحفظنا وإياك من الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
إن الحل الأول والأمثل لك هو الزواج، فبه تغض بصرك، وتحفظ فرجك، وليس عندنا، ولا نظن أن عاقلا سوانا عنده أفضل ولا أعلى من أن يدفعك للزواج دفعا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَابٌ لَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (٤٧٧٩) ومسلم (١٤٠٠) .
قال الإمام أحمد رحمه الله: ((إنْ خَافَ الْعَنَتَ أَمَرْتُهُ يَتَزَوَّجُ)) نقله في الفروع (٥/١٤٧) .
وأما قلة ذات اليد: فاعلم أن الراغب بالعفاف موعود بالعون من الله تعالى، والأمثلة أكثر من أن تحصر على إخوة فقراء توةجوا فأعانهم الله، ويسر أمرهم.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِى يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِى يُرِيدُ الْعَفَافَ) .
رواه الترمذى (١٦٥٥) ، وقال: حسن، والنسائى (٣١٢٠) ، وابن ماجه (٢٥١٨) ، وحَّسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
واعلم أنه ليس من حق والدك أن يمنعك الزواج بحجة السن، أو عدم التوافق الأسري، أو غير ذلك من الأعذار الواهية، وليس عليك أن تطيعه في ذلك أيضا؛ فابحث لك يا عبد الله عن امرأة تريد العفاف، مثل ما تريده، وتخشى الله، كما تخشاه أنت أن تقع في الفاحشة، فإن أبى والدك أن يساعدك، فاجتهد في أن تدبر أي عمل يوفر لك القوت وحد الكفاف، واستغن عن نفقته.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هل ترون أن طاعة الوالدين عليَّ لازمة إذا منعاني من الزواج بغير عذر مقبول، عذرهم في ذلك أني صغير مع العلم أني أبلغ العشرين من عمري، فما هي الطريقة إذا أصرا على رفضهما مع حاجتي الشديدة للزواج جزاك الله خيراً؟))
فأجاب رحمه الله:
((إذا كنت قادراً على النكاح فتزوج ولو منعك أبوك وأمك؛ لأن أمامك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام وهو مقدم على أمر والديك. أما إذا كنت عاجزاً ليس عندك مال وعند أبيك مال، فإن الواجب على أبيك أن يزوجك وإذا امتنع فإنه آثم. فإن كان أبوك فقيراً فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الشباب إذا لم يستطيعوا الباءة أن يصوموا، قال: (فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي: قطع؛ لأن الصوم يقلل الشهوة)) لقاءات الباب المفتوح (١٥/١٦) .
وأما إشكالية عدم توافق الشخصيات التي ذكرتها؛ فاعلم أن هذه حجة مطاطة هلامية، إلى حد كبير؛ واعلم أن يكفيك ـ لكي تقدم على الارتباط بفتاة كزوجة، وأم ولد لك إن شاء الله؛ أن ترى فيها من الدين ما يطمئنك في العيش معها على عرضها وعرضك، وتأمنها على ولدها وولدك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (٥٠٩٠) مسلم (١٤٦٦)
وبعيدا عن المثاليات التي ربما ترهق الكثيرين في البحث والنظر قبل الزواج، حدد النبي صلى الله عليه وسلم، إطارا عامة للشخصية المرضية للمرأة: أن تصون نفسها، وتطيع ربها، وتؤدي فراض الله عليها:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ!!) رواه أحمد (١٦٦٤) وقال الألباني والأرناؤوط: حسن لغيره.
ثالثاً:
إذا لم يتيسر لك الآن أمر الزواج فاعلم أن وصية الله لك هي أن تستعفف، وذلك بفعل الأسباب التي تصبرك عن التزوج كالطاعة عموما والصيام خصوصاً، وبالابتعاد عن الدواعي التي تهيج الشهوة كالنظر والسماع المحرَّمين.
قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) النور/ ٣٣.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .
وقوله: (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً) أي: لا يقدرون نكاحاً، إما لفقرهم، أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم وليس لهم من قدرة على إجبارهم على ذلك ... .
(حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وعدٌ للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمرٌ له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه.
" تفسير السعدي " (ص ٥٦٧) .
فهذا هو الذي نوصيك به، ويوصيك به كل من يعرف الشرع، ويريد الخير لك، وهو النكاح، فإن لم تستطع فالاستعفاف.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
إنني في مرحلة المراهقة، وأبلغ من العمر ١٩ عاماً، وإنه ينتابني بعض الأمور من الجنس، وإنني بحق أعيش في قلق وعدم المبالاة بالدروس؛ لأنني دائما أفكر في الجنس وغير ذلك، مما يراودني الشيطان - لعنه الله - أن أرتكب جريمة الزنا - أعاذنا الله منها وإياكم - علماً أنني لا أقدر على الزواج؛ لأنني في مرحلة الدراسة في الصف الثاني ثانوي، وإنني أصبر دائما اليوم، والذي بعده، ولكنني لا أصبر الثالث، أرجو أن تعينوني على ذلك بما أفعل في تلك القضية، علماً أن حلها في رأيي الزواج، ولا أستطيع ذلك، وأنا في حالتي هذه نحيل الجسم بما فعلته بي تلك القضية، وهي في بعض الأيام حينما أصلي لا أعقل ماذا صليت، وكم صليت، وذلك لأنني أفكر في تلك القضية، أرجو وأكرر: أعينوني على ذلك.
فأجابوا:
إذا كان حالك كما ذكرت: فأكثر من صيام التطوع قدر الاستطاعة؛ فإن هذا مما يساعد على ضبط نفسك، وكبح جماح شهوتك، وكسب العفة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
وإن تيسر لك أن تستدين وتتزوج مع القدرة مستقبلا على تسديد الدين: فافعل، إعفافا لفرجك، وارج الله أن يعينك على ذلك، وننصحك بالبعد عن مثار الشهوة، فغُضَّ البصر، واجتنب الاختلاط بالفتيات ومجالستهن والحديث معهن قدر الاستطاعة، واسأل الله تعالى أن يعفك، ويحفظك من غائلة الشهوات، وزلات الفتن.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٨ / ٢١، ٢٢) .
ولا مانع من تناول أدوية مأمونة لتخفيف حدة الشهوة، واجعل هذا الحل آخراً وليس أولاً.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
" قال الله عز وجل: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/ ٣٣، يعني: يتصبر، ومن يتصبر: يصبِّره الله عز وجل، والله تعالى قد وعد: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي: إلى أن يغنيهم الله من فضله، (حتى) هنا للغاية وليست للتعليل، لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا، فإن لم يصبر، وعجز، وخاف على نفسه من الزنا: فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية، ونحوها؛ حتى لا يقع في الحرام.
" لقاءات الباب المفتوح " (١٥٩ / مقدمة اللقاء) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (٢٠١٦١) , (١٠٢٥) , (٢٠٢٢٩) , (٢١٨٣١) , (٢٦٨١١)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب