يستأجر بيتا ثم يسترد ما دفع عند نهاية المدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في شيناي بالهند، وأرغب في الحصول على مسكن عن طريق التأجير وذلك بدفع مبلغ إجمالي مقطوع لمدة ٣ سنوات دون دفع أي مبلغ عن الإيجار خلال تلك المدة. وعند انتهاء مدة الإيجار فإن العين ستسلم للمالك وسيُعاد إليّ نفس المبلغ الإجمالي المقطوع. وبالإمكان أيضا تمديد الاتفاقية بموافقة الطرفين. ويجب أن تُدفع تكاليف صيانة الشقة شهريا. التعامل بهذه الطريقة مستخدم على نطاق واسع عندنا هنا. ويرى بعض العلماء أنه غير جائز وأنه يجب أن يُدفع مبلغ من المال كثمن للإيجار. وإذا أردنا الوفاء بهذا الشرط فبإمكاني دفع مبلغ اسمي صغير كإيجار. أرجو أن تذكر لي الحكم في هذه المسألة وفقا للكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز التعامل بهذه الطريقة، وهي صورة من صور القرض الربوي المحرم.
وبيان ذلك: أن حقيقة القرض هي: " دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله ".
والمال المدفوع للمالك سوف يرد بدله بعد انتهاء المدة المتفق عليها، فيكون هذا المال قرضا، وقد استفاد المقرِض من هذا القرض، واستفادته هي الانتفاع بالبيت حتى يُرد إليه ماله.
فتكون حقيقة هذه المعاملة أنها قرض جر نفعا، وقد اتفق العلماء على تحريم كل قرض جر نفعا للمقرِض، وأنه نوع من الربا.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (٦/٤٣٦) :
" وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٤/٦٤) :
" ومثال ما جَرَّ نفعا من الشروط في القرض: جاء رجل إلى شخص وقال: أريد أن تقرضني مائة ألف فقال: لكن أسكن بيتك لمدة شهر، فالقرض هنا جر نفعا للمقرض فهو حرام ولا يجوز. . .
لأن الأصل في القرض هو الإرفاق والإحسان إلى المقترض، فإذا دخله الشرط صار من باب المعاوضة، وإذا كان من باب المعاوضة صار مشتملا على ربا الفضل وربا النسيئة، فلما استقرض مني –مثلا- مائة ألف واشترطتُ عليه أن أسكن داره شهرا صار كأني بعت عليه مائة ألف بزيادة سكنى البيت شهرا، وهذا ربا نسئية لأن فيه تأخيرا في تسليم العوض، وربا فضل لأن فيه زيادة.
ولهذا قال العلماء: كل قرض جر منفعة فهو ربا " اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (٣/٢٦٦) :
شُرُوطُ صِحَّةِ الاسْتِدَانَةِ: الشَّرْطُ الأَوَّلُ: عَدَمُ انْتِفَاعِ الدَّائِنِ:
إنَّ انْتِفَاعَ الدَّائِنِ مِنْ عَمَلِيَّةِ الاسْتِدَانَةِ إمَّا أَنْ يَتِمَّ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ , أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلا خِلَافٍ. . . اهـ.
ثانياً:
ينبغي أن يعلم أن العبرة في العقود بمعانيها وحقائقها، فحقيقة هذه المعاملة – كما سبق – أنها قرض جر نفعا، وهذا نوع من الربا، وتسمية الناس لها إجارة لا يغير من حقيقتها شيئا، ولا يغير حكمها، كما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناسا من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.
فالحذر الحذر من التحايل على الحرام، فإن دفع مبلغ صغير كأجرة لم يُحل هذا الحرام، لأنه يبقى المبلغ الكبير المدفوع قرضا جر نفعا.
فصاحب المال لم يدفع الجزء الأكبر من المال (القرض) والذي سيسترده إلا من أجل الانتفاع بالبيت، وصاحب البيت لم يدفع البيت للآخر للانتفاع به إلا مقابل القرض.
والله تعالى لا تخفى عليه خافية، وقد عاقب من استحل الحرام بالحيل بالعذاب العاجل، كما في قصة أصحاب السبت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب