للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تصلَّى التراويح مفردة أم جماعة؟ وهل ختم القرآن في رمضان بدعة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت أنه من المندوب إليه أن يؤدي المسلم التراويح مفردة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده عدا ٣ مرات، هل هذا صحيح؟

كما أني سمعت أن من البدعة قراءة القرآن كاملا في التراويح في رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا، فهل هذا صحيح؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

تشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً، وتشرع مفردةً، وفعلها جماعةً أفضل من فعلها منفرداً، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ.

فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) . رواه البخاري (١١٢٩) ، وفي لفظ مسلم (٧٦١) (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) .

فثبتت الجماعة في التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي، فحينئذ تعود السنية لها.

انظر " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين (٤ / ٧٨) .

قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -:

وفيه: أن قيام رمضان سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، مندوب إليها، مرغوب فيها، ولم يسن منها عمر بن الخطاب إذ أحياها إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم ذلك عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته عليه الصلاة والسلام: أقامها للناس وأحياها وأمر بها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، وذلك شيء ادخره الله له وفضَّله به.

"التمهيد " (٨ / ١٠٨، ١٠٩) .

وقد صلاها الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعات وأفراداً حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد.

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري (١٩٠٦) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر: " نعمت البدعة " على تجويز البدع -:

أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنَّه لأمَّته، وصلَّى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمامٍ واحدٍ، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " يعنى الأضراس؛ لأنها أعظم في القوة، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال " نعمت البدعة هذه "، فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: من الاجتماع على مثل هذه، وهي سنة من الشريعة ". " مجموع الفتاوى " (٢٢ / ٢٣٤، ٢٣٥) .

وللمزيد: راجع السؤال (٢١٧٤٠) ، (٤٥٧٨١)

ثانياً:

ختم القرآن في رمضان في الصلاة وخارجها أمر محمود لصاحبه، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه إياه مرتين.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (٦٦٥٠٤) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>