للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث لا تراءى ناراهما

[السُّؤَالُ]

ـ[ما صحة حديث ورد بمعنى أن نار المؤمن ونار الكافر لا تتراءيان، وأظن المعنى أنهما لا تتجاوران؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) .

جاء هذا الحديث على وجهين اثنين:

١. مسندا متصلا من رواية قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي: رواه أبو داود برقم (٢٤٦٥) ، والترمذي برقم (١٠٦٤) ، وغيرهم.

٢. مرسلا من رواية قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم: رواه النسائي برقم (٤٧٨٠) ، وغيره.

وقد ذهب غير واحد من أئمة الحديث إلى ترجيح كون الحديث مرسلا وليس مسندا، منهم أبو حاتم والبخاري والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم.

قال الترمذي رحمه الله: " سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن قيس بن أبي حازم مرسل.

قلت له: فإن حماد بن سلمة روى هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير؟ فلم يَعُدَّهُ محفوظا " انتهى.

"العلل الكبير" (٢/١٠٠) .

وقال أبو داود رحمه الله، بعدما روى الحديث مسندا في سننه: " رَوَاهُ هُشَيْمٌ وَمَعْمَرٌ وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا جَرِيرًا " انتهى.

وانظر: "البدر المنير" لابن الملقن (٩/١٦٣) .

فالحديث على هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا:

أما عن شرح هذا الحديث، فننقل هنا أقوال أهل العلم فيه:

قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله:

" أما قوله: (لا تراءى ناراهما) ففيه قولان:

أما أحدهما: فيقول: لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين، فيكون منهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه، فيجعل الرؤية في هذا الحديث في النار، ولا رؤية للنار، وإنما معناه أن تدنو هذه من هذه، وكان الكسائي يقول: العرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان ودورنا تناظر، ويقول: إذا أخذت في طريق كذا وكذا، فنظر إليك الجبل: فخذ عن يمينه أو يساره، هكذا كلام العرب. قال الله عز وجل وذكر الأصنام فقال: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الأعراف/١٩٧-١٩٨، فهذا وجه.

وأما الوجه الآخر فيقال: أراد بقوله: (لا تراءى ناراهما) يريد نار الحرب، قال الله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) المائدة/٦٤، فيقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله تبارك وتعالى، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان؟ وكيف يساكن المسلم المشركين في بلادهم، وهذه حال هؤلاء وهؤلاء.

ويقال: إن أول هذا أن قوما من أهل مكة أسلموا وكانوا مقيمين بها على إسلامهم قبل فتح مكة، فقال النبي عليه السلام هذه المقالة فيهم، ثم صارت للعامة " انتهى.

"غريب الحديث" (٢/٨٨-٨٩) .

وقال ابن الأثير رحمه الله: " أي: يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم.

وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان، وحث المسلمين على الهجرة. والترائي: تفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم: إذا رأى بعضهم بعضا، وتراءى لي الشيء: أي ظهر حتى رأيته.

وإسناد الترائي إلى النارين مجاز من قولهم: داري تنظر إلى دار فلان: أي تقابلها.

يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟! والأصل في " تراءى " تتراءى، فحذف إحدى التاءين تخفيفا " انتهى.

"النهاية في غريب الحديث" (٢/٤٤٧) .

وقد سبق في موقعنا العديد من الأسئلة التي توضح حكم إقامة المسلم بين أظهر المشركين، يمكن مراجعتها في قسم (الولاء والبراء) ، وانظر جواب السؤال رقم: (١١٧٩٣) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>