للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعليق الدعاء على الإخلاص في عمل معين

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز أن يدعو الإنسان: اللهم إن كنت مخلصا في عملي هذا فنجحني، مثلا، أو فأتممه لي؟ أي ربط استجابة الدعاء بالإخلاص في العمل، أي إن استجاب الله وتم العمل المعين فهذا دليل على أن الله قد قبله، وأنه مخلص به، وإن لم يستجب الله فهو دليل على عدم إخلاص الداعي؛ لأنه ربط الإخلاص في دعائه بحدوث أو تمام العمل؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يجوز أن يدعو الإنسان فيقول في دعائه: اللهم إن كنت مخلصاً في عملي هذا فنجحني فيه، أو: فأتمه لي.

وقد ورد مثل ذلك في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة، فكان كل منهم يقول في دعائه: (اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) ، فاستجاب الله تعالى دعاءهم. وننقل هنا نص الحديث:

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ – الغَبُوق: شرب اللبن آخر النهار - قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى – أي: بَعُدَ - بي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا.

اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ.

فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا.

اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.

فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي. فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئُ بي. فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا.

اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ.

فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ) رواه البخاري (٢٢٧٢) ، ومسلم (٢٧٤٣) .

ولكن لا يلزم من ذلك أن الله إذا وفقه في عمله أو أتمه له أن هذا الداعي كان مخلصاً في عمله ذلك، وأنه إذا لم يوفق لم يكن مخلصاً.

لأنه قد يكون مخلصاً في عمله ولكن الله تعالى منعه الإجابة لسبب آخر، كعقوبة له على معصبة فعلها، أو أكله الحرام ... ونحو ذلك.

وقد يكون غير مخلص في عمله ولكن الله يتمه له لسبب آخر غير الدعاء، إما استدراج له، أو أن هذا الدعاء وافق القدر المكتوب سابقاً، فحصل ما قدره الله تعالى، ولكن لا بسبب الدعاء.

وقد يكون ذلك قرينة على إخلاصه في العمل وأن الله تعالى قبل دعاؤه، ولكننا لا يمكننا الجزم بذلك.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>