غير مرتاح مع زوجته مع أنها قائمة بجميع واجباتها!
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت - ولله الحمد - قبل ٦ أشهر، ولكن أشعر بأنني غير مرتاح مع زوجتي، ليس بسبب تقصيرها في حقي، بل هي قائمة بكل واجباتها من ناحيتي ومن ناحية البيت، وأهلي، ولكن المشكلة أنها ليست المرأة التي تمنيتها، حيث إنني أعجب جدّاً بالمرأة الفارعة الطول، وزوجتي قصيرة تقريباً طولها " ١٥٢سم "، وأنا طولي " ١٦٠ سم"، ولكن أحس أنني أنجذب إلى حد الجنون للمرأة التي تفوقني في الطول، مما يجعلني أفكر في بعض الأحيان أن أطلق زوجتي أو أن أتزوج امرأة تكون أطول مني، وهذا جعلني غير مركِّز في عملي، وشارد الذهن، وقليل الإنتاج، على عكس ما كنت عليه في الجامعة، حيث كنت من الطلبة المتفوقين. ألوم نفسي كثيراً عندما أنزل مع زوجتي السوق، وأشاهد امرأة جدّاً طويلة، أحس أنني متندم على زواجي من زوجتي ويتعكر مزاجي، وعلى قولهم " أفك خلقي في زوجتي". في بعض الأحيان أقوم بالدخول على مواقع في الإنترنت تعرض صوراً ومقاطع فيديو لنساء جدا طويلات فأعجب بهن جدّاً، بل إني في بعض الأحيان أجامع زوجتي، وأنا أتخيل صورهن في عقلي. زوجتي هذه جدّاً طيبة، وتقدر لي ظروفي الصعبة، وطباخة ماهرة، وتحسن القيام بأمور البيت وهي التي دائماً، تبدأ بالمصالحة عندما نتخالف، حتى عندما أكون المخطئ، وتحاول دائماً أن تلبس الكعب العالي لتشبع رغبتي في الطول، ولكن أحس الكعب العالي لا ينفع معها لأنها جدّاًَ قصيرة. أنا الآن محتار، فزوجتي غمرتني بطيبتها وافتخارها بي بين صاحباتها وأقاربها، لا أدري ماذا أفعل، أريد أن أركز في عملي، وأصبح متميزاً، كما كنت عليه أيام الجامعة، أريدك أن ترشدني وأن تدعو الله لي بأن يدخل حب زوجتي في قلبي، وأن أجدها أجمل امرأة في عيني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المشكلة من أغرب المشكلات التي وصلتنا! ولا ندري ما هو الذي جعلك تقدِّم الطول على الدين، والخلق، وحسن العشرة، وحسن التدبير، وجودة الطبخ من زوجتك الفاضلة، ونخشى أن يبتليك الله تعالى فتطلق هذه المرأة الفاضلة فتتزوج بامرأة طويلة لا تتصف بأي صفة من صفات زوجتك هذه فتندم أشد الندم.
واعلم أن الله تعالى قد أوجب عليك عشرة زوجتك بالمعروف، وإمساكها بإحسان، فلا يحل لك ما تفعله بها، ولا يجوز لك اختراع مشكلات لتتحرش بها فتضايقها أو تهينها بالقول أو الفعل، فإما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، ولعلك تبحث عن ضالتك في امرأة طويلة، وتترك هذه المرأة الفاضلة لتتزوج بمن يقدِّر دينها وخلقها وحسن تدبيرها لبيت الزوجية، فاحذر من ابتلاء الله، أو عقوبته.
ثانياً:
عليك أن تتأمل هذه الأحاديث:
١. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم (١٤٦٧) .
ولم يقل: " خير متاعها المرأة الطويلة "!
٢. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (٤٨٠٢) ومسلم (١٤٦٦) .
ولم يقل: " تنكح المرأة لطولها "! ولا قال: " فاظفر بذات الطول "!
ثالثاً:
تأمل معنا كلام أهل العلم فيمن تزوج بالمرأة الصالحة:
١. قال المناوي رحمه الله:
"قال القاضي: المرأة الصالحة أنفع من الذهب؛ فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب، وهي ما دامت معك رفيقتك، تنظر إليها تسرك، وتقضي إليها عند الحاجة وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك، وإذا غبتَ تحامي مالك، وترعى عيالك، ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بَذرك، وتربي زرعك: لكفى به فضلاً" انتهى.
" فيض القدير " (١ / ٤٦٥) .
٢. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع) يعني: شيء يُتمتع به، كما يَتمتع المسافر بزاده، ثم ينتهي.
(وخير متاعها المرأة الصالحة) إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها، وعقلها: فهذا خيرُ متاع الدنيا؛ لأنها تحفظه في سره، وماله، وولده، وإذا كانت صالحة في العقل أيضاً: فإنها تدبر له التدبير الحسن في بيته، وفي تربية أولادها، إنْ نظر إليها: سرَّته، وإن غاب عنها: حفظته، وإن وَكل إليها أمرَه: لم تخنه، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: عليك بها؛ فإنها خير من يتزوجه الإنسان، فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة: لكن يجمِّلها خلُقها، ودِينُها.
(فاظفر بذات الدين تربت يداك) " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (٢ / ١٢٧، ١٢٨) طبعة ابن الهيثم.
رابعاً:
انظر كيف أثَّر مرضك هذا على نفسك ودينك، فبالإضافة إلى احتقار ما تتصف به زوجتك من أخلاق فاضلة: فإن أضفت إليه إهانتها والتحرش بها، وأضفت إليه النظر المحرَّم إلى النساء الأجنبيات، ولم تكتف بذلك حتى دخلتَ مواقع فاسدة فاجرة لتقضي نهمتك لا من النظر إلى الطويلات بل إلى ذات المنكر والفاحشة، ثم رحت تتخيل تلك الفاجرات أثناء جماعك لزوجتك العفيفة الطاهرة! .
فلا ندري – حقيقة – كيف تمكن الشيطان منك، وكيف سوَّل لك الوقوع في هذه المحرمات من أجل توهم وخيال لا قيمة له عند العقلاء، أرباب الفطر السليمة.
وفي اعتقادنا أنك لا تقبل الزواج بامرأة مفتونة بالرجال الطوال، وتفعل مثل فعلك في كل تفاصيله، فتخيل ذلك للحظة أن يقع من امرأة متزوجة، فكيف تحكم عليها؟ وهو الحكم نفسه الذي تحكم به على نفسك.
والذي يظهر لنا أن ما تشعر به هو من تلاعب الشيطان بك، يريد أن يوقع كره امرأتك في قلبك ليفرق بينكما، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تطعه فيما يوسوس به لك.
فاحذر من عقوبة الله، واحذر من سخطه، واحذر من أن تفقد زوجتك العفيفة الطاهرة بسبب أفعالك ومعاصيك، واعلم أن الجمال جمال الدين والخلق، وأن فتنتك هذه لو عرضت على عقلاء قومك لسخروا منك، فلا تجعل نفسك ألعوبة بيد الشيطان، واقطع النظر إلى النساء في الشارع، وفي وسائل الإعلام، واقطع النظر في المواقع الفاجرة، واحذر من خاتمة السوء أن تموت عليها.
ونسأل الله أن يُطهِّر قلبك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأفعال، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب