للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم لبس العقال

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا ولله الحمد من الملتزمين، ولكني أجد نفسي عاجزاً عن إجابة صديق لي يسألني دائماً هذا السؤال: لماذا المشايخ وطلبة العلم وأئمة المساجد لا يلبسون العقال؟ هل هو حرام أم ماذا؟ أحرجت من كثرة ترديده السؤال وأنا لا أعرف الإجابة، فقلت له: إن ذلك من الزهد، فرد عليَّ إذا كان ذلك من الزهد فلماذا الشيخ الفلاني يسكن القصور وله في مدينة كذا قصر، وفي مدينة كذا قصر بعشرات الملايين؟ ولماذا يسوق أغلب المشايخ سيارات فارهة كالمرسيدس واللكزس ثم تقول لي إن ذلك من الزهد؟ . أرجو الإجابة المفصلة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أخطأتَ بجواب صديقك أن امتناع المشايخ وطلبة العلم عن لبس العقال أن ذلك بسبب الزهد! فليس ترك لبسه ممن لا يلبسه بسبب الزهد، وكما قال لك صديقك فإن كثيراً منهم قد وسَّع الله تعالى عليه في المركوب والملبوس والمسكون، فالزهد في ترك هذه التوسعة أولى من الزهد في ترك لبس العقال.

ثانياً:

ليس في لبس العقال أي حرج شرعي، والأصل في اللباس الإباحة إلا أن يأتي في الشرع ما يحرمه للونه أو لصفته أو لطوله.

ومرجع عدم لبس العلماء وكثير من طلبة العلم في بلاد الحرمين للعقال إنما هو بسبب ما اعتادوا عليه وصار بينهم عرفاً، وفي الدول الإسلامية الأخرى تجد الأمر مختلفاً، فمن البلاد من يلبس العلماء فيها الجبة والعمامة، ومنهم من يلبس العقال، والأمر في هذا واسع ما لم يرد ما يحرم عليهم لباسهم.

قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله وهو من أئمة الدعوة النجدية، توفي سنة ١٣٤٩هـ:

"وأما لبس العقال: فهو من المباحات، ولم يرد في الأمر به والنهي عنه عن العلماء ما يوجب تحريمه ولا كراهته؛ لأن لبسه من العادات الطبيعية كغيره من الملابس التي اعتاد الناس لباسها كالعمامة والرداء والإزار والقميص وغير ذلك من الملابس العادية.

فبهذا الاعتبار يكون لبس العمامة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلبسونها عادة، ولبس العقال الذي يلبسه الناس اليوم من المباحات والعادات، فهما سواء بهذا الاعتبار" انتهى.

" منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع " (ص ١١٣) .

وقال رحمه الله - أيضاً -:

"وأما لبس العقال: فهو من المباح، ولم يتكلم فيه العلماء لا في قديم الزمان ولا حديثه؛ لأنه قد كان من المعلوم أن لباس الصوف من الملابس التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها هو وأصحابه، والعقال من الصوف المباح لبسه" انتهى.

" منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع " (ص ١١٧) .

وقال – رحمه الله -:

"وقد بلغني عن بعض الإخوان إنهم ينكرون ما كان يعتاده المسلمون من لبس العقال، سواء كان ذلك العقال أسود، أو أحمر، أو أبيض، ويهجرون من لبسه، ويعللون ذلك بأنه لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولم يكن ذلك يلبس في عهدهم ولا هو من هديهم وإذا كانت العلة هي المانعة من لبسه فيكون حراما ولا بسه قد خالف السنة فيقال لهم:

وكذلك لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان يلبسون المشالح لا الأحمر منها ولا الأبيض ولا الأسود ولا العبي – جمع عباءة - على اختلاف ألوانها، والكل من هذه الملابس صوف ظاهر، وكذلك لم يكونوا يلبسون هذه الغتر والشمغ على اختلاف ألوانها، فلأي شيء كانت هذه الملابس حلالا مباحا لبسها وهذه العقل محرمة أو مكروهة لا يجوز لبسها، والعلة في الجميع واحدة على زعمهم مع أن هذا لم ينقل عن أحد من العلماء تحريمه ولا كراهتها؟ .

وقد أظهر الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فدعا الناس إلى توحيد الله وعبادته، وبيَّن لهم الأحكام والشرائع حتى ظهر دين الله، ولم يكن في وقته أحد يلبس هذه العصائب، ولا أمر الناس بلبسها، ولا ذكَّر الناس أنها من السنن، ولا أنكر على الناس ما كانوا يعتادونه من هذه الملابس كالعُقُل وغيرها؛ لأنها من العادات الطبيعية، لا العبادات الشرعية.

فخير الأمور السالفات على الهدى ... وشر الأمور المحدثات البدائع" انتهى

" إرشاد الطالب إلى أهم المطالب " (ص ٥٤) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم لبس العقال حيث إني أرى الأئمة والمؤذنين لا يلبسونه؟

فأجاب:

"لبس العقال لا بأس به؛ لأن الأصل في الملبوسات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، وقد أنكر الله عز وجل على من يحرمون شيئاً من اللباس أو من الطعام بلا دليل شرعي، قال الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، أما إذا دلَّ دليل على تحريم هذا اللباس سواء كان محرماً لعينه: كالحرير للرجل وما فيه صور للرجل أو المرأة، أو كان محرَّماً لجنسه: كما لو كان هذا اللباس من لباس الكفار الخاص بهم: فإنه يكون حراماً، وإلا فالأصل الحل" انتهى.

" فتاوى إسلامية " (٤ / ٢٤٦) .

ثالثاً:

الأفضل للعالم وطالب العلم أن يراعي العرف السائد في بلده من حيث لبس العقال وعدمه لهذه الطائفة من الناس، فإن أراد أن يلبسه فلا يحل لأحدٍ أن ينكر عليه.

وعلى من أراد لبس العقال تجنب لس المصنوع من الحرير الطبيعي.

فعن عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) .

رواه أبو داود (٤٠٥٧) والنسائي (٥١٤٤) وابن ماجه (٣٥٩٥) وزاد (حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ".

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>