يظهر للمتتبع لأحداث السيرة النبوية السابقة لغزوة بدر الكبرى، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد وقوع المعركة، ولم يتهيأ للخروج لها أصلا، وإنما خرج هو والصحابة الكرام رضوان الله عليهم ليستردوا بعض ما نهبه كفار قريش منهم في مكة، من خلال اعتراض قافلة من القوافل التجارية المحملة بالبضائع والأموال لقريش، فكان السبب الحقيقي والمباشر لخروجه صلى الله عليه وسلم هو استرداد شيء من الحقوق المالية التي نهبها منهم كفار قريش، ويدلك على ذلك قول الله تعالى:(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) الأنفال/٥-٧.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(لما سمع رَسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفِّلكموها!
فانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقُل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا) رواه ابن إسحاق في "السيرة"(٢/٢٩٥) ، وعبد الرزاق في "المصنف"(٥/٣٤٨) ، والطبري في "جامع البيان"(١٣/٣٩٤) ، والبيهقي في "دلائل النبوة"(٣/٣٢) بسند صحيح، وصححه الشيخ الألباني في تحقيق "فقه السيرة"(ص/٢١٨) .
يقول الدكتور علي الصلابي:" من المؤكد أنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش، وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدو ودماؤهم مباحة، فكيف إذا علمنا أن جزءًا من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشية كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكة، قد استولى عليها المشركون ظلمًا وعدوانا " انتهى.
فلما أفلتت القافلة جمعت قريش جموعها الظالمة المشركة تريد أن تستأصل الإسلام، وتقضي على المسلمين، فرد الله كيدهم في نحرهم، وهزم الجمع وولوا الأدبار والحمد لله.