للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء

[السُّؤَالُ]

ـ[أرغب في معرفة السنَّة في التجارة , كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتاجر، ويصف السلَع، ويتبادلها، ويعيدها ... الخ]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

يمكن تلخيص هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة، والبيع، والشراء فيما يلي:

١. عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة مع عمه أبي طالب؛ وعمل لخديجة كذلك، وسافر لذلك إلى بلاد الشام , وكان أيضا يتاجر في الأسواق؛ فمجنة، وعكاظ: كانت أسواقاً في الجاهلية، وكان التجار يقصدونها للبيع، والشراء.

٢. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر البيع بنفسه، كما سيأتي في حديث جمل عمر، وجمل جابر رضي الله عنهما، أو يُوكل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه، كما في عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ: أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً - أَوْ شَاةً - فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ.

رواه الترمذي (١٢٥٨) وأبو داود (٣٣٨٤) وابن ماجه (٢٤٠٢) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

٣. كان صلى الله عليه وسلم يأمر التجار بالبرِّ، والصدق، والصدقة.

أ٠ عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .

رواه البخاري (١٩٧٣) ومسلم (١٥٣٢) .

ب. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً، إِلَاّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) .

رواه الترمذي (١٢١٠) وابن ماجه (٢١٤٦) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (١٧٨٥) .

ج. وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال: كان صلى الله عليه وسلم يقول: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ) .

رواه الترمذي (١٢٠٨) وأبو داود (٣٣٢٦) والنسائي (٣٧٩٧) وابن ماجه (٢١٤٥) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

٤. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالسماحة، واليسر، في البيع والشراء.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) .

البخاري (١٩٧٠)

قال ابن حجر – رحمه الله -:

وفيه الحض على السماحة في المعاملة , واستعمال معالي الأخلاق , وترك المشاحة , والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.

" فتح الباري " (٤ / ٣٠٧) .

ومن صور سماحته صلى الله عليه وسلم:

أ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: (بِِعْنِِيهِِ) قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (بِعْنِيهِ) فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ) .

رواه البخاري (٢٦١٠) .

ب. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ: فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ: (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: (بِعْنِيهِ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ) .

رواه البخاري (١٩٩١) ومسلم (٧١٥) - واللفظ له -.

٥. وكان صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق لأهلها، ويحث عليه.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: (أَعْطُوهُ) ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَاّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ (أَعْطُوهُ) ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) .

رواه البخاري (٢١٨٢) ومسلم (١٦٠١) .

٨. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم.

عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

رواه أبو داود (٣٤٦٠) وابن ماجه (٢١٩٩) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والإقالة: هي المسامحة، والتراجع عن البيع، أو الشراء، وتدل على كرمٍ في النفس.

" وصُورَة إِقَالَة الْبَيْع: إِذَا اِشْتَرَى أَحَد شَيْئًا مِنْ رَجُل ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اِشْتِرَائِهِ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْن فِيهِ أَوْ لِزَوَالِ حَاجَته إِلَيْهِ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَن: فَرَدَّ الْمَبِيع عَلَى الْبَائِع، وَقَبِلَ الْبَائِع رَدَّهُ: أَزَالَ اللَّه مَشَقَّته وَعَثْرَته يَوْم الْقِيَامَة، لِأَنَّهُ إِحْسَان مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي , لِأَنَّ الْبَيْع كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيع الْمُشْتَرِي فَسْخه " انتهى. من "عون المعبود".

٦. وكان صلى الله عليه وسلم يساوم في الشراء، ولا يبخس الناس بضاعتهم، كما مر معنا في حديث جمل جابر.

وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ.

رواه الترمذي (١٣٠٥) وقال: حسن صحيح، وأبو داود (٣٣٣٦) والنسائي (٤٥٩٢) وابن ماجه (٢٢٢٠) .

٧. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر برجحان الوزن.

عن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: (رأى) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (زِنْ وَأَرْجِحْ) .

وهو تتمة الحديث السابق.

٨. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإنظار المعسر، والحط عنه.

عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ) .

رواه مسلم (٣٠٠٦) .

٩. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعامل بالربا، وبيع الغرر، وبيع العِينة، والتجارة بالمحرمات , وعن الغش والخداع.

والأدلة على ذلك كثيرة، ومشتهرة.

وليس عندنا تفاصيل بيعه وشرائه في كل معاملاته التجارية صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت تجارته في الجاهلية، ولم يكن نبيّاً حتى تُنقل تصرفاته من أصحابه، وما نُقِلَ عن سنَّته صلى الله عليه وسلم كافٍ إن شاء الله.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>