هل تعيد التوبة أجر ما حبط بسبب الرياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان أحد الأشخاص يقوم بالأعمال لأجل الناس لا لأجل الله عز وجلّ , ثم تاب من هذا الأمر العظيم وهو الرياء , فهل يحصل على أجر ما قام به بعد التوبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في السنة الشريفة ما يدل على أن من عمل صالحا في كفره، ثم تاب وأسلم: أنه يكتب له بعد التوبة أجر ما أسلف من الصالحات، كأنه عملها في الإسلام، وذلك من عظيم كرم الله عز وجل وسعة فضله وجوده وإحسانه، وإن خالف في ذلك بعض العلماء، لكن هذا هو الصواب، فهو ظاهر السنة الصحيحة.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ)
رواه البخاري (رقم/١٤٣٦) ومسلم (رقم/١٢٣)
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح هذا الحديث:
" من كان له عمل صالح فعمل سيئة أحبطته ثم تاب؛ فإنه يعود إليه ثواب ما حبط من عمله بالسيئات " انتهى.
" فتح الباري " لابن رجب (١/١٤٦)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لو تاب المنافق والمرائي فهل تجب عليه في الباطن الإعادة، أو تنعطف توبته على ما عمله قبل ذلك فيثاب عليه، أو لا يعيد ولا يثاب.
أما الإعادة فلا تجب على المنافق قطعا؛ لأنه قد تاب من المنافقين جماعة عن النفاق على عهد رسول الله ولم يأمر أحدا منهم بالإعادة , وقد قال تعالى:
(وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة)
وأيضا فالمنافق كافر في الباطن، فإذا آمن فقد غفر له ما قد سلف، فلا يجب عليه القضاء، كما لا يجب على الكافر المعلن إذا أسلم.
وأما ثوابه على ما تقدم، مع التوبة: فيشبه الكافر إذا عمل صالحا في كفره ثم أسلم، هل يثاب عليه؟ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: أسلمت على ما سلف لك من خير.
وأما المرائي إذا تاب من الرياء، مع كونه كان يعتقد الوجوب: فهو شبيه بالمسألة التي نتكلم فيها، وهى مسألة من لم يلتزم أداء الواجب، وإن لم يكن كافرا في الباطن، ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة " انتهى باختصار.
مجموع الفتاوى (٢٢/٢٠-٢١)
ويقول أيضا رحمه الله:
" التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته، وحبوط العمل من موجباته " انتهى.
" شرح العمدة " (١/٣٩)
ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:
" فصل: وإذا استغرقت سيئاته الحديثات حسناته القديمات وأبطلتها، ثم تاب منها توبة نصوحا خالصة: عادت إليه حسناته، ولم يكن حكمه حكم المستأنف لها، بل يقال له: تبت على ما أسلفت من خير، فإن الحسنات التي فعلها في الإسلام أعظم من الحسنات التي يفعلها الكافر في كفره: من عتاقة وصدقة وصلة، وقد قال حكيم بن حزام: (يا رسول الله! أرأيت عتاقة أعتقتها في الجاهلية، وصدقة تصدقت بها، وصلة وصلت بها رحمي، فهل لي فيها من أجر؟ فقال: أسلمت على ما أسلفت من خير)
وذلك لأن الإساءة المتخللة بين الطاعتين قد ارتفعت بالتوبة، وصارت كأنها لم تكن، فتلاقت الطاعتان واجتمعتا. والله أعلم " انتهى.
" مدارج السالكين " (١/٢٨٢)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب