هل يأخذ حقه دون علم من ظلمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرص دائماً أن أتبع الحلال وأجتنب الحرام، أعمل في محل تجاري يملكه يهودي منافق، لديه العديد من المحلات وقد أغلقها فجأة ليطلب الأموال من الحكومة، وفصل الناس من العمل دون أن يعطيهم رواتبهم وأبقى ٥ أشخاص - (أنا منهم) - وفتح محلاً جديداً، لم يدفع الرواتب المتأخرة، ودفع مبلغاً بسيطاً أقل بكثير من مستحقاتنا، المحل الآن ناجح ولكنه لا يدفع لنا، ودائماً يقول لا يوجد لدي مال، نواجه الآن مشكلة دون دفع رواتبنا، وهذا هو الدخل الوحيد لنا، قال أحد زملائي في العمل بأن نأخذ رواتبنا اليومية من دخل المحل وإذا دفع لنا في آخر الشهر نعيد له ماله في الخزنة وبدأ بفعل هذا، ولكنني أخشى الحرام، وأواجه الآن مشاكل مالية، وقد سمعت بأنه سيفصلنا من العمل دون أن يدفع رواتبنا، أرجو أن توضح لنا هذه المسألة وتنصحنا. مرة أخرى، أنا أعمل بإخلاص وأمانة ولكنه يهودي منافق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة تسمَّى عند العلماء " مسألة الظَفَر "، وفيها خلاف بين العلماء، فمنهم من منع من أخذ الحق من الظالم، ومنهم من أجازه بشرط أن لا يزيد على حقه وأن يأمن الفضيحة والعقوبة، وهو الصواب من القولين.
قال الشنقيطي رحمه الله:
إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي، ولم يمكن لك إثباتُه، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة والعقوبة، فهل لك أنْ تأخذَ قدرِ حقِّك أو لا؟
أصحُّ القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ؛ لقوله تعالى في هذه الآية: (فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ...) الآية، وقوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) ، وممن قال بِهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان، ومجاهد، وغيرهم.
وقالت طائفة من العلماء - منهم مالك -: لا يجوز ذلك، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة: وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها، واحتج من قال بِهذا القول بحديث: " أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " ا. هـ.
وهذا الحديث – على فرض صحته - لا ينهض الاستدلال به؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه. " أضواء البيان " (٣ / ٣٥٣) .
وهو قول البخاري، والشافعي، كما نقله أبو زرعة العراقي في " طرح التثريب " (٨ / ٢٢٦) ، ونقل الترمذي أنه قول بعض التابعين، وسمَّى منهم سفيان الثوري.
والحديث الذي استدل به المانعون هو حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه الترمذي (١٢٦٤) وأبو داود (٣٥٣٥) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٤٢٣)
فلك أن تأخذ حقَّك من هذا اليهودي صاحب العمل على أن لا تزيد على حقك، وأن تأمن من أن يُكتشف أمرك خشية الفضيحة والإساءة للإسلام لأنك لا تستطيع إثبات حقك أمام الناس، فإن أعطاك حقك بعدها أو شيئاً منه: فعليك أن تُرجع ما أخذته مما هو زائد على حقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب