للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسجدان متقاربان والثاني منهما قليل المصلين أو معدومه ففي أي المسجدين يصلي؟

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن في منطقتنا يوجد مسجدان متقاربان، أحدهما يمتلأ عادة بالمصلين، أما الآخر: فيكون خالٍ من المصلين حتى إنَّه في بعض الأحيان لا يفتح المسجد أحيانا، ففي هذه الحالة أيهما أفضل: الصلاة في المسجد الممتلئ، أم إعمار المسجد الآخر؟ . وثانياً: - بارك الله فيك - الإمام الذي في المسجد الممتلئ لا يراعي السنَّة، فهو مسبل، ولا يراعي السنَّة، أما المسجد الآخر: فإمامه نوعاً ما ملتزم ما استطاع بالسنَّة. فنرجو منكم توضيح في أي المساجد الصلاة تكون فيه أفضل.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

انتشار المساجد، وكثرتها، ولو في الحي الواحد: علامة خير، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله، لكننا ففي الوقت نفسه ننبه على أمورٍ:

١. أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد، لئلا يؤدي ذلك إلى تفريق جماعة المسلمين، وقد يكون في بنائها شيء من الإسراف، والمباهاة، وقد يغلق بعضها في بعض الصلوات لعدم وجود من يصلي فيه.

٢. أن لا يصلَّى الجمعة فيهما، بل يصلى في المسجد الكبير منهما؛ ليجتمع المصلون في مسجد واحد.

٣. بناء المساجد في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يكفي المصلين.

ثانياً:

بما أن الحال هو ما ذكرتَ: فإننا نرى أن تكون الصلاة في المسجد الأول؛ لأمور:

١. أن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم، ويزيد في ترابطهم، فيُعرف مريضهم فيُعاد، وفقيرهم فيُعان، وميتهم فيُصلَّى عليه، ويُعزى أهله.

٢. أن المسجد الذي يصلي فيه أهل الحي جميعهم يعين على تعليمهم، ووعظهم، بخلاف تشتتهم في أكثر من مكان، فإذا جاء العالم ليُعلِّم، والواعظ ليعظ، ويكون الناس قد اجتمعوا في صعيد واحد: فإن الخير والنفع والفائدة تصل لجميعهم.

٣. كلما زاد عدد المصلين في الجماعة: كان أحب إلى الله.

فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (٥٥٤) والنسائي (٨٤٣) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"لو قدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، ... ) .

وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة" انتهى.

"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (٤/١٥٠، ١٥١) .

وقال الشيخ أيضاً:

"الأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر، ولا تُقام إذا لم يحضر، مثال ذلك: إذا كان هناك مسجدٌ قائمٌ يصلِّي فيه الناسُ، لكن فيه رَجُلٌ إن حَضَرَ وصار إماماً: أُقيمت الجماعةُ، وإنْ لم يحضُرْ: تفرَّقَ الناسُ: فالأفضلُ لهذا الرَّجُلِ أنْ يصلِّيَ في هذا المسجدِ مِن أجلِ عِمارته؛ لأنَّه لو لم يحضُرْ لتعطَّلَ المسجدُ، وتعطيلُ المساجدِ لا ينبغي، فصلاةُ هذا الرَّجُِ في هذا المسجدِ: أفضلُ مِن صلاتِهِ في مسجدٍ أكثرَ جماعةٍ.

لكن ينبغي أن يقيَّد هذا بشرطٍ، وهو أن لا يكون المسجدُ قريباً مِن المسجدِ الأكثرِ جماعةً، فقد يُقال: إنَّ الأفضلَ أن يجتمعَ المسلمون في مسجدٍ واحدٍ، وأنَّ هذا أَولى مِن التفرُّق، فإذا قُدِّرَ أن هذا مسجدٌ قديمٌ ينتابه خمسةٌ، أو عشرةٌ من الناسِ، وحولَه مسجدٌ يجتمعُ فيه جمعٌ كثيرٌ، ولا يشقُّ على أهلِ المسجدِ القديمِ أنْ يتقدَّموا إلى المسجدِ الآخرِ، فرُبَّما يُقال: إنَّ الأفضلَ أن ينضمُّوا إلى المسجدِ الآخر، وأن يجتمعوا فيه؛ لأنَّه كلَّما كَثُرَ الجمعُ: كان أفضل" انتهى.

"الشرح الممتع على زاد المستنقع" (٤/١٥٠) .

وعليكم بمناصحة هذا الإمام لعل الله يهديه ويوفقه لاتباع السنة والحرص عليها.

وأخيراً.. كان يسعنا أن نفتيكم بالصلاة في المسجد الأقل عدداً من المصلين إذا كان أهل المسجد الآخر معروفين بكراهة السنة ومحاربتها ومحاربة أهلها، وقد قمتم معهم بواجب النصيحة ولكن بلا فائدة.

ففي هذه الحالة: صلاتكم في هذا المسجد يقيمون فيه السنة وتعلمونها الناس أفضل بلا شك.

ولكن ما دام الأمر لم يصل إلى هذا الحد فنرى أن تجتمعوا في مسجد واحد.

ونسأل الله لكم التوفيق والهداية

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>