للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ ٥ سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج ٤ سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/٦.

ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار.

هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم.

ثانياً:

ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم.

ثالثاً:

والواجب عليك وعلى أمهم:

١. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر.

٢. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم.

٣. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود.

٠٤ الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه.

٠٥ تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /٦-٧

ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>