للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يصلي ويعبد الله، لكنه مفتتن بالنساء

[السُّؤَالُ]

ـ[ما العمل فيمن يصلي ويصوم ويعبد الله كثيراً ويخافه ويتقيه (قدر المستطاع) ولا يقوى على كبح جماح غرائزه، ومنع نفسه من العلاقات النسائية المتعددة، وإن كانت لا تخلو من ارتكاب المعاصي، أحيانا، مع أنه كثيرا ما يقاوم ذلك، في حين أنه متزوج وله ثلاثة أبناء؛ منهم بنتان، وعلاقته طيبة مع زوجته؟! .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إن أصل الأصول الذي تنبني عليه حياة العبد: إيمانه بالله، وما يستلزمه من العمل الصالح؛ فهذا فقط هو العصمة من الخسران في هذه الحياة، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) سورة العصر. وهذا أيضا هو سبب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/٩٧.

غير أن عبادة العبد لربه ليست موسمية، أو آنية؛ بحيث يطيع ربه في وقت أو موسم، ثم هو يحيا بعد ذلك كيفما شاء أو شاء له هواه، وإنما هي عبادة شاملة لحياته كلها، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/١٦٢-١٦٣. ولأجل ذلك ينبغي أن يظهر أثر هذا الإيمان وتلك الطاعات في سلوك العبد وحياته؛ فالمؤمن لا يكون كذابا، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، فالإيمان الصادق حاجز عن ذلك، والصلاة الحقيقية تنهى صاحبها عن القاذورات؛ قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/٤٥.

ثم إنني أدعوك أخي الكريم لتشاركنا ساعة صدق وهدوء، لنتأمل سويا ما رواه أبو أُمَامَةَ رضي الله عنه أنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا!!

فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ؛ قَالُوا: مَهْ مَهْ!!

فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ.

قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟!

قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟!

قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟!

قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ.

قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟!

قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.

قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟! قَالَ: لا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَال:َ وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ

قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ.

فَلَمْ يَكُنْ الْفَتَى بَعْدَ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) مسند أحمد ٢١٧٠٥ وصحح الألباني إسناده في الصحيحة ٣٧٠.

وأسألك في هذه الوقفة الهادئة الصادقة بالله: أتحب ذلك لابنتيك؟! أم تحبه لزوجتك؟

فلم ترضاه في بنت غيرك، أو زوجته، أو ... ؟؟

لا تقل: إن معصيتك التي أقررت بها لم تصل بك إلى حد الزنا، لأن السؤال باق عليك أيضا: أترضاه لنسائك وأهل بيتك؟! ولتعلم أن من حام حول الحمى، أوشك أن يواقعه؛ كذا قال الصادق المصدوق!!

فإن كنت فتيا ففي الناس غيرك فتيان، وإن كنت رجلا، ففي الناس أيضا رجال:

جاء شقيقٌ عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح

ولئن ظننت أن عندك غيرة على عرضك، وغيرك لا يغار، فأنت غالط واهم، وهب أنك صادق، وهذا ما لا يكون، فأين منك غيرة الله على حرماته؛ لقدْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ ذكر الحديث، وفيه: ... ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: ... َ (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) البخاري ١٠٤٤ ومسلم ٩٠١

ألا تحمد الله على زوجتك التي تحيا معك حياة طيبة؟! ألا تخشى..؟! ألا تخشى ... ؟!

أعرفت الآن أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟

نعم، فالله تعالى حد لك الحلال في أمرين: زوجتك أو ما ملكت يمينك، لمن عنده ملك اليمين، وقال لك: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) (٧) المؤمنون، وها قد ابتغيت ما وراء ذلك!! ثم تسأل عن العمل؟!

هل غضضت من بصرك كما أمرك الله؟!

وهل ابتعدت عن الخلوة بالنساء، والدخول عليهن، كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وهل حميت نفسك عن مصافحة النساء، وأن تمس امرأة لا تحل لك، كما أمرك النبي، صلى الله عليه وسلم؟!

أعرفت أنك لم تتق الله، ولا قدر المستطاع؟!

فإن فعلت ما أمرك الله ورسوله، واتقيت ربك، واتقيت فتن النساء، ففي الطهر الحلال من زوجك ما يكفيك.

فإن احتجت، فقد أحل الله لك أن تنكح ما طاب لك من النساء؛ مثنى وثلاث ورباع.

فإن لم تقنع، فعليك بالصوم، فإنه لك وجاء!!

ولا يهلك على الله إلا هالك.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>