إسقاط الجنين المشوه خلقياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إسقاط الجنين بعدما تبين بالفحوصات الطبية أنه مشوّه خلقياً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك أسباب عديدة لتشوه الأجنة، وأن كثيراً من هذه الأسباب يمكن تلافيه، والتوقي منه، أو التخفيف من آثاره، وقد حث الإسلام والطب على منع أسباب المرض، والتوقي منه ما أمكن ذلك، وتعاليم الإسلام تحث على حفظ الصحة، وعلى حماية الجنين ووقايته من كثير من الأمراض التي سببها البعد عن تعاليم الإسلام، والوقوع في المعاصي كالزنى، وشرب الخمر، والتدخين، وتعاطي المخدرات، وكذلك جاء الطب الحديث ليحذر الأمهات من الخطر المحدق من تعاطي بعض العقاقير، أو التعرض للأشعة السينية، أو أشعة جاما وخاصة في الأيام الأولى من الحمل.
فإذا ثبت تشوه الجنين بصورة دقيقة قاطعة لا تقبل الشك، من خلال لجنة طبية موثوقة، وكان هذا التشوه غير قابل للعلاج ضمن الإمكانيات البشرية المتاحة لأهل الاختصاص، فالراجح عندي هو إباحة إسقاطه، نظراً لما قد يلحقه من مشاق وصعوبات في حياته، وما يسببه لذويه من حرج، وللمجتمع من أعباء ومسؤوليات وتكاليف في رعايته والاعتناء به، ولعل هذه الاعتبارات وغيرها هي ما حدت بمجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من ١٥ رجب الفرد سنة ١٤١٠هـ وفق ١٠/٢/١٩٩٠م، أن يصدر قراره: " بإباحة إسقاط الجنين المشوه بالصورة المذكورة أعلاه، وبعد موافقة الوالدين في الفترة الواقعة قبل مرور مائة وعشرين يوماً من بدء الحمل ".
وقد وافق قرار المجلس المذكور أعلاه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم ٢٤٨٤ في ١٦/٧/١٣٩٩هـ.
أما إذا كان الجنين المشوه قد نفخت فيه الروح وبلغ مائة وعشرين يوماً، فإنه لا يجوز إسقاطه مهما كان التشوه، إلا إذا كان في بقاء الحمل خطر على حياة الأم، وذلك لأن الجنين بعد نفخ الروح أصبح نفساً، يجب صيانتها والمحافظة عليها، سواء كانت سليمة من الآفات والأمراض، أو كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رُجي شفاؤها مما بها، أم لم يرج، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى له في كل ما خلق حكم لا يعلمها كثير من الناس، وهو أعلم بما يصلح خلقه، مصداق قوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/١٤.
وفي ولادة هؤلاء المشوهين عظة للمعافين، وفيه معرفة لقدرة الله عز وجل حيث يرى خلقه مظاهر قدرته، وعجائب صنعه سبحانه، كما أن قتلهم وإجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر الأمور الدينية والمعنوية أية نظرة، ولعل في وجود هذا التشويه ما يجعل الإنسان أكثر ذلة ومسكنة لربه، وصبره عليها احتساباً منه للأجر الكبير.
والتشوهات الخلقية قدر أراده الله لبعض عباده، فمن صبر فقد ظفر، وهي أمور تحدث وحدثت على مر التاريخ، ومن المؤسف أن الدراسات تدل على أن نسبة الإصابة بالتشوهات الخلقية في ازدياد، وذلك نتيجة تلوث البيئة، وكثرة الإشعاعات الضارة التي أخذت تنتشر في الأجواء، والتي لم تكن معروفة من قبل.
ومن رحمة الله بالناس أن جعل مصير العديد من الأجنة المشوهة إلى الإجهاض والموت قبل الولادة.
وعلى المرأة المسلمة، وعلى الأسرة المسلمة، أن تصبر على ما أصابها، وأن تحتسب ذلك عند الله، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم.