هل يلزم الزوجة أن تخبر زوجها بوجوه إنفاق راتبها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ خمسة أشهر من امرأة تعمل معلمة وفي ليلة الملكة تم وضع وكتابة بعض الشروط بعقد النكاح من قبل ولي أمرها وكان أحد هذه الشروط عدم قيامي بأخذ أي مبلغ من راتب زوجتي وقد وافقت على ذلك الشرط ولكن قمت أنا بوضع شرط من قبلي بهذا الخصوص وهو طلبي بأن تقوم زوجتي بإبلاغي بجهة أو جهات إنفاق راتبها وذلك من باب العلم بالشيء وقد وافق والدها واثنان من إخوانها كانوا هم الشهود على العقد إضافة إلى المأذون الشرعي الذي قام بكتابة العقد وقد كان رد الجميع بأن ذلك من حقي، وعند سماعي لذلك وبسبب عدم وجود أي اعتراض على طلبي فإني لم أحرص على كتابة شرطي هذا بالعقد نظرا لتفهم الجميع، ولكن أنا أواجه مشكلة مع زوجتي الآن فعندما أسألها عن جهات إنفاق راتبها فهي ترفض ذلك مطلقا وتقول بأن ذلك ليس من حقي، حتى إنه وعند قيامي بسؤالها عن مقدار راتبها رفضت أيضا الإجابة وبنفس المبرر السابق وعندما أخبرتها بأن ذلك هو ما اشترط فأجابت بأن أحدا من إخوتها أو والدها لم يخبرها بذلك، كما تضيف بأنه حتى وإن كان الأمر كذلك فهي تصر على موقفها الرافض بخصوص اطلاعي على ما تملك من مال– راتبها الشهري والجهات التي يتم إنفاقه فيها وتصر على أنها لا تحتاج إذناً مني في ذلك، علما بأن ما طلبته ولا أزال أطالب به هو من باب العلم وليس طلبها بأخذ الإذن مني. أرجو التكرم بالرد على تساءلي حيال موقف زوجتي فيما تقدم مع رجائي التفضل بذكر الأدلة الموجبة والداعمة لطلبي بالعلم كما سبق ذكره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أن للمرأة الرشيدة أن تتصرف في مالها بما تحب، ولا يلزمها إعلام زوجها ولا استئذانه في ذلك، في قول جمهور الفقهاء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ٤٠٣٧
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي ٣٠ صفر - ٥ ربيع الأول ١٤٢٦هـ، الموافق ٩ – ١٤ نيسان (إبريل) ٢٠٠٥م ما يلي:
" أولاً: انفصال الذمة المالية بين الزوجين:
للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها.
...
خامساً: اشتراط العمل:
١- يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت فإن رضى الزوج بذلك ألزم به، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة.
٢- يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد إذنه به إذا كان الترك في مصلحة الأسرة والأولاد" انتهى.
لكن يستحب للزوجة أن تستأذن زوجها، وأن تشاوره في تصرفها وألا تخالفه؛ لما روى النسائي (٣٢٣١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا، وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
لكن إذا شرط الزوج عند عقد النكاح إعلامه بجهات إنفاق زوجته، وجب الوفاء بهذا الشرط؛ لما روى البخاري (٢٧٢١) ومسلم (١٤١٨) عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
وإنما تُلزم الزوجة بالشرط إذا كانت قد علمت به ورضيت، أو كانت فوضت وليها تفويضا مطلقا في اشتراط ما يراه مناسبا، وأما إذا لم تفوضه في ذلك، ولم تعلم بالشرط، فلا يلزمها الوفاء به، والخطأ هنا يكون من وليها الذي وافق على هذا الشرط بدون أن يعلمها به.
ثانياً:
الذي يظهر لنا أن الأمر يسير، وما دام غرضك هو مجرد العلم بتصرفها، فلا ينبغي أن تتشدد في ذلك، ولا أن تفتح بابا للخلاف والشقاق، فإذا لم تعلم الزوجة بالشرط فإن لها التصرف في مالها بمقتضى حقها الشرعي، ولا يلزمها إعلامك، ومعرفة الزوجين بما يجب على كل منهما للآخر أساس في حصول الألفة والسعادة بينهما، ثم تبقى دائرة الفضل والمعروف، وذلك بتبادل الثقة بينهما، ومشاورة كل منهما للآخر ومشاركته في همومه ومشاغله.
وكما أن الزوجة لا يلزمها إعلام زوجها بتصرفاتها المالية، فإنه لا يلزمه أيضا إعلامها، لا بقدر راتبه، ولا بجهات إنفاقه، لكن هذا السلوك لا يرضي الزوجة، ولا يبني حياة مستقرة سعيدة في الغالب، ولهذا نقول: كما تحب الزوجة أن تعلم تفاصيل أمور زوجها، فإنه يحب ذلك، وبهذا تبنى الحياة الزوجية السعيدة التي لا ينبغي أن يكون فيها مجال للأسرار والأمور الخاصة.
فالخطاب هنا يوجه إلى الزوجين معاً: لا ينبغي أن تصل العلاقة بينكما إلى هذا الحد من التكتم والخصوصية، فما يحصل بين الزوجين ينبغي أن يزيل ما بينهما من تكلف وحواجز، حتى تدوم العشرة بينهما، ويحصل ما أراده الله تعالى من المودة والرحمة والسكن.
والنصيحة للزوجة أن تحسن عشرة زوجها، وتترك هذه التصرفات التي تشعر الزوج بأنه شخص غريب عن زوجته، بينهما من الحواجز وفَقْد الثقة الشيء الكثير، مما يؤثر سلبا – ولا بد - على ثقته بها، ومعاملته لها، ثم تتطور الأمور ويحصل ما لا يحمد عقباه، ويندم الجميع حيث تشددوا في أمور كانت لا تستحق هذا التشدد.
نسأل الله تعالى أن يؤلف بينكما وأن يقيكما شرور النفس ونزغات الشيطان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب