للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قسم ماله قبل موته وأعطى بعض الأولاد دون بعض

[السُّؤَالُ]

ـ[قام والدي بتقسيم كل ما يملك وهو المنزل الذي نشأنا فيه وتمليكه لثلاثة من أولاده دون الآخرين وأقصد أختين وأخ وأنا.

وإخواني بارك الله فيهم ولهم ميسورو الحال، وأنا وأخي نعمل بالأجر خارج بلادنا، وأخواتي متزوجات، وعندما حصل التقسيم والتمليك كنا خارج البلاد، وما زلنا لم نغصب والدينا، والدليل أنهم يدعون لنا ويؤكدون عفوهم عنا. هل يجوز لوالدي منح ولد وحرمان الآخر في شيء كهذا؟ وبماذا تنصحنا أن نقول لوالدنا؟ لأننا سمعنا بأن هذا الفعل منافٍ للشريعة؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

الذي فعله والدك هو إعطاء لبعض أولاده دون الآخرين، وليس قسمة لأمواله بين ورثته في حياته، لأنه لم يعط جميع الورثة، وإنما خص بعض أولاده.

وتخصيص بعض الأولاد بالعطية من غير سبب يبيح ذلك حرام.

وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة على مثل ذلك، وسماه جورا، وذلك فيما رواه البخاري (٢٥٨٦) ومسلم (١٦٢٣) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَارْجِعْهُ) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.

ورواه البخاري (٢٥٨٧) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (يعني: أمه) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وفي رواية للبخاري أيضا (٢٦٥٠) : (لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ) .

وفي رواية لمسلم (١٦٢٣) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي) ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً) قَالَ: بَلَى. قَالَ: (فَلا إِذًا)

ثانياً:

على من وقع في هذا الجور أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرجع في عطيته تلك، أو يعطي سائر أولاده مثله. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فارجعه)

قال ابن قدامة رحمه الله: " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فضل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" (٥/٣٨٧) .

وإذا رضي من مُنِعوا من العطية بذلك وطابت نفوسهم، فلا حرج على الوالد في تخصيص بعض أولاده بها، لأن الحق كان لإخوتهم وقد رضوا بإسقاطه، مع أن الأفضل أنه لا يفعل ذلك حتى مع رضاهم.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته " انتهى.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢٠/٥١)

ثالثاً:

سبق في جواب السؤال رقم (٣٦٨٧٢) أنه لا حرج في تفضيل بعض الأولاد بالعطية إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك كحاجته وفقره أو كونه طالب علم ونحو ذلك. فإن كان هناك سبب شرعي لتخصيص والدكم هؤلاء بالعطية فلا حرج عليه، وإن لم يكن هناك سبب شرعي ولم ترضوا بذلك فالواجب عليه رد هذه العطية والعدل بينكم.

رابعاً: وعليكم إذا لم ترضوا بذلك أن تناصحوا أباكم بلطف ولين وتبيّنوا له أن الواجب عليه العدل بينكم، وقد تحتاجون إلى بيان ذلك له بالأدلة الشرعية، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٦٧٦٥٢)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>