للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تخيل الكعبة في الصلاة والدعاء هل هو الإحسان؟

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا حاولت أثناء الصلاة أو الدعاء أن أتخيل الكعبة فهل أكون قد حققت المراد من " اعبد الله كأنك تراه "؟ فإني عندما أتصور شيئاً آخر - وهذا يحدث كثيراً وليست وسوسة - أشعر أني لست في كامل خشوعي، فعندما أحاول مناجاة الله أريد أن أشعر بهذا , ولأن النظر إلى السماء مكروه في الصلاة، فأشيروا عليَّ حفظكم الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الإحسان هو الإتقان، ومن معانيه العظيمة في الشرع: إتقان العبادات وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به.

وإن تذكُّر العابد أن الله تعالى مطلع عليه وناظر إليه: يوجب الإتقان في العبادة، ويبلغ بعبادته مبلغاً عالياً.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري (٥٠) ومسلم (٩) .

قال ابن رجب رحمه الله: " يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم.. ويوجب أيضا النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها " انتهى.

جامع العلوم والحكم (١/٣٥) .

وقال أيضا: " وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته؛ فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له؛ كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا َإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [رواه البخاري (٢٥) ومسلم (١٥٩٩) ] .

فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها، حتى الكلام.. "

ثم قال:

" وأصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله؛ فمن كان بالله أعرف، فهو له أخشع.

وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الرب من عبده، واطلاعه على سره وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات.

ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه، المقتضي لهيبته وإجلاله.

ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته.

ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه.

وهو سبحانه جابر القلوب المنكسرة لأجله، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له، كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته الوافدين بين يديه، المتضرعين إليه في الوقوف بعرفة، ويدنو ويباهي بهم الملائكة، وكما يتقرب عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤلهم، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة " انتهى.

"الذل والانكسار للعزيز الجبار" (ضمن رسائل ابن رجب ١/٢٩٠، ٢٩٣) .

وأما ما أشار إليه السائل من تخيله للكعبة في صلاته، فلا نعلم لذلك أصلا، ولا يظهر أن في ذلك التخيل ما يعين على الخشوع الحقيقي في الصلاة، وكم ممن يكون في صحن الكعبة، ويشاهده أمامه رأي العين، ثم هو يصلي كأنه يصلي في سوقه، لا يعرف للخشوع طعما.

وحديث أبي هريرة السابق بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان وعرَّفه بأنه " أن تعبد الله كأنك تراه " ولم يقل " كأنك ترى الكعبة ".

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>