للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إشكالات وجوابها في بيع أسهم الشركات

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم بيع أسهم الشركات؟ أسأل هذا السؤال لأنني سمعت أن هناك من يحرمها لأن الشركات يكون في خزينتها نقود، فيكون هذا بيعاً للنقود بالنقود، وهو غير جائز في الشرع إلا بشروط معينة. ويقول أيضاً: إن الشركات يكون لها ديون وعليها ديون , وبيع الدين لا يجوز إلا بشروط معينة أيضاً. وأيضاً: نصيب هذا السهم في الشركة غير معروف تحديداً , فيكون فيه نوع من الجهالة فلا يصح البيع. فما رأيكم في هذا؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

تقدم في جواب السؤال (٨٥٩٠) أنه لا حرج في بيع الأسهم وشرائها والمتاجرة فيها إذا لم يكن نشاط الشركة محرماً.

وأما كون الشركة عندها نقود أو ديون فإن دخول النقود والديون في بيع الأسهم ليس مقصوداً، وإنما جاء تبعاً , وقد ذكر العلماء قاعدة: (أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً) بمعنى أنه يغتفر في الشيء التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل , فهذه النقود والديون إذا بيعت على سبيل الاستقلال لم يصح البيع إلا بشروط معينة، أما إذا دخلت في البيع تبعاً وليست هي المقصودة فلا بأس بذلك.

وأما كون ما يقابل السهم من ممتلكات الشركة مجهولاً , فالجواب عن هذا أن يقال: بل هو معلوم على سبيل الإجمال , وهذا العلم الإجمالي يكفي لصحة البيع , وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهل اليسير لا يمنع صحة البيع.

ويدل لصحة بيع السهم ولو كان في الشركة نقود، ولو كان نصيب السهم ليس معلوماً بدقة: " ما ورد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما توفى كان ذا مال كثير , فراضى ورثته إحدى زوجاته وهي تماضر الأشجعية على أن تأخذ مقابل سهمها في الميراث مبلغ ثمانين ألف دينار , وكانت التركة تشمل نقوداً وعقاراً ورقيقاً وحيواناً , وكان هذا بعد أن استشار الخليفة عثمان الصحابة , فكان إجماعاً , ولم تكن الدقة في معرفة التركة وتعدد أنواعها وكونها غير مصفاة مانعاً من ذلك , وهذا هو عين بيع الأسهم من الشركات سواء سميناه بيعاً أو صلحاً أو معاوضة " انتهى. قاله فضيلة الشيخ عبد الله البسام. "مجلة المجمع الفقهي" (٤/١/٧١٢) .

وجاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:

" ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة " كشركة الكهرباء، والأسمنت، والغاز " ونحوها مما يشترك فيه المساهمون ثم يرغب بعضهم بيع شيء من سهامهم بمثل قيمتها أو أقل أو أكثر حسب نجاح تلك الشركة وضده، وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال بعضها نقد وبعضها ديون لها وعليها , وبعضها قيم ممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف، واستشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام، لأن المنصوص عليه اشتراط معرفة المتبايعَيْن للمبيع، كما أنه لا يجوز بيع الدًّين في الذمم، وذكر أن هذا مما عمت به البلوى.

هذا حاصل السؤال منه، ومن غيره ـ عن حكم هذه المسألة.

والجواب: الحمد لله. لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) النحل/٨٩.

والكلام على هذا مبني على معرفة حكم عقد هذه الشركة ومساهمة الناس فيها , ولا ريب في جواز ذلك، ولا نعلم أصلاً من أصول الشرع يمنعه وينافيه، ولا أحداً من العلماء نازع فيه.

إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في أية شركة وأراد بيع أسهمه منها فلا مانع من بيعها , بشرط معرفة الثمن، وأن يكون أصل ما فيه الاشتراك معلوماً، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً. فإن قيل: إن فيها جهالة، لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها؟

فيقال: إن العلم في كل شيء بحسبه، فلابد أن يطلع المشتري على ما يمكن الاطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة، ولابد أن يكون هناك معرفة عن حالة الشركة ونجاحها وأرباحها، وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب، لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسارتها، كما تبين ممتلكاتها من عقارات ومكائن وأرصدة كما هو معلوم من الواقع، فالمعرفة الكلية ممكنة ولا بد، وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة، ومن القواعد المقررة: " أن المشقة تجلب التيسير " وقد صرح الفقهاء رحمهم الله باغتفار الجهالة في مسائل معروفة في أبواب متفرقة مثل جهالة أساس الحيطان، وغير ذلك.

فإن قيل: إن في هذه الشركات نقوداً، وبيع النقد بنقد لا يصح إلا بشرطه. فيقال: إن النقود هنا تابعة غير مقصودة، وإذا كانت بهذه المثابة فليس لها حكم مستقل، فانتفى محذور الربا، كما سيأتي في حديث ابن عمر.

فإن قيل: إن للشركة ديوناً في ذمم الغير، أو أن على تلك السهام المبيعة قسطاً من الديون التي قد تكون على أصل الشركة، وبيع الدَّيْن في الذمم لا يجوز إلا لمن هو عليه بشرطه.

فيقال: وهذا أيضاً من الأشياء التابعة التي لا تستقل بحكم بل هي تابعة لغيرها، والقاعدة: " أنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً " ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً: (مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) رواه مسلم (١٥٤٣) وغيره، فعموم الحديث يتاول مال العبد الموجود والذي له في ذمم الناس، ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر الآخر: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) متفق عليه. ووجه الدلالة أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد.

ومما يوضح ما ذكر: أن هذه الشركة ليس المقصود منها موجوداتها الحالية، وليست زيادتها أو نقصها بحسب ممتلكاتها وأقيامها الحاضرة، وإنما المقصود منها أمر وراء ذلك وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأمر في إنتاجها والحصول على أرباحها المستمرة غالباً , وبما ذكر يتضح وجه القول بجواز بيعها على هذه الصفة. والله سبحانه أعلم ". انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" المجلد السابع.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>