لا خير في عبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[ي طويل وأتمنى أن تتمكن من الإجابة عليه، إن شاء الله، بما آتاك الله من علم، مستدلا بالكتاب والسنة لتدعيم قولك، كما أرجو أن تستشهد بأكثر عدد ممكن من الأدلة.
تتعلق المشكلة التي أواجهها بالطريقة التي يقوم بها والداي بتأدية العبادة، وأنهما يريدان مني أن أفعل مثلهما، لكني لم أشعر أن أفعالهما توافق السنة. والداي يسران على الطريقة القادرية الصوفية، ويعتقدان أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان نورا وإنسانا. وقد أعطى أحد الشيوخ الصوفية لوالدي كتابا عن طريقة للعبادة باللغة الأوردية وأدعية بالعربية، وأخبره بأن يؤدي هذه العبادة كل يوم مع الزوجة والأطفال الذين يمكنهم قراءة القرآن جماعيا بصوت عال.
وطريقة العبادة هي كالتالي:
قبل البدء أخبرنا أن نقرأ هذه الكلمات التالية:
"اللهم صل على محمد وآله وعترته. . . إلخ"، ثم نقرأ هذه الكلمات ١٠٠ مرة: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه". ثم نقرأ سورة الفاتحة ٧ مرات. ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم صلي على محمد وآله وعترته ... إلخ".ثم نقرأ سورة ألم نشرح ٧٩ مرة.ثم نقرأ سورة الإخلاص ١٠٠ مرة. ثم نردد الكلمات التالية ١٠٠ مرة: "اللهم يا قاضي الحاجات". ثم نقرأ ١٠٠ مرة هذه الكلمات:"اللهم يا دافع البليات". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم ياحلال أحلل مشكلاتي". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم يا خافي المهماتِ". ثم نقرأ ١٠٠: "اللهم يا مجيب الدعواتِ". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم يا شافي المرضى". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم يا خير الناصرين". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "برحمتك يا أرحم الراحمين". ثم نقرأ ١٠٠ مرة: "اللهم آمين".
أما الجزء الثاني من هذه العبادة فهو نفس الشيء عدا بعض التغيرات مثل البدأ بالكلمات "حسبنا الله" ٥٠٠ مرة، ثم نسرد (ما ورد أعلاه) ما عدا سورة ألم نشرح أو الإخلاص. وأنا الآن أعلم أن بعض هذه الكلمات مذكور في القرآن، وأن السور بكل تأكيد من القرآن أيضا، لكني أريد أن أعرف ما إذا كانت هذه الصورة من العبادة تتفق مع السنة؟ هل قالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قط؟ والداي يريدان مني أن أقوم بعمل العبادة معهما، وهما يغضبان جدا حتى إن أنا تسائلت عن ذلك ولو في أضيق الحدود.
وأيضاً: والداي يريدان منى بعد أن أنتهي من هذا الدعاء، أن أقوم بقراءة سورة (الفيل) ، وعندما أصل إلى كلمة "ترميهم" أن آخذ أحجاراً وأرميها واحدة تلو الأخرى، وترمى من قدر حديدي مقلوب رأسا على عقب وهو مغطى بقطعة حمراء للتعبير عن الدم. ويقولان لي بأن في هذا سؤالاً لله بأن ينزل على أعدائنا الموت أو شيئاً قريباً من ذلك. وأريد أن أعرف ما إذا كان هذا من سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أم أنه من البدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغاية التي خلقنا من أجلها جميعا، هي عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/ ٥٦.
ولم يتركنا الله تعالى ليختار كل منا طريقة خاصة لعبادته، بل أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل كتابه العظيم، ليكون بيانا للناس وهدى، فما من عبادة وخير وهدى يحبه الله، إلا وقد بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس وأتقاهم لله، وأكثرهم عبادة وإنابة، ولهذا كان الموفق من سار على طريقته، وسلك مسلكه، وحذا حذوه.
ولزوم طريقته صلى الله عليه وسلم ليس أمرا اختياريا، ولكنه فرض فرضه الله على عباده، بقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر / ٧.
وقوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب / ٣٦.
وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) الأحزاب / ٢١
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عبادة محدثة، فهي مردودة على صاحبها مهما بلغت، فقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (١٧١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا لله، موافقا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المراد من قوله تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فمن أراد الوصول إلى مرضاة الله، فليلزم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل الطرق إلى الله تعالى مسدودة، إلا هذا الطريق، طريق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما كان صلى الله عليه وسلم رحيما بأمته، حريصا عليهم، لم يدع شيئا من الخير إلا بينه هم، فمن اخترع اليوم عبادة أو ذكرا أو وردا، وزعم أن فيه خيرا، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ شعر أو لم يشعرـ بأنه لم يبلغ الدين كما أمره الله.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، خان الرسالة؛ لأن الله يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.
والتحذير من الابتداع، كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة:
قال حذيفة بن اليمان: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها.
وقال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق.
والسؤال الذي ينبغي أن يوجه لمن اخترع هذه الأذكار:
هل فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل فعل هذا أصحابه رضوان الله عليهم؟
والجواب المعلوم: أن قراءة السور المذكورة بهذه الأعداد: ١٠٠، ٧، ٧٩ شيء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، وكذلك الأدعية التي بهذه الكيفية المذكورة وتكرارها.
ويقال لهذا المخترع: هل تظن أنك سبقت إلى خير لم يعلمه الرسول ولا أصحابه؟
أم تظن أن لك أو لشيخك حق التشريع، وتحديد الأذكار، وأوقاتها، وأعدادها، كما أن للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الحق؟
ولاشك أن هذا أو ذاك ضلال مبين.
ولنعتبر بما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله، فيما رواه الدارمي في سننه أن أبا موسى الأشعري قال لعبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا.
قال فما هو؟
فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
فليس كل من أراد الخير أصابه ووفق له، وليس كل عبادة متقبلة، حتى تكون على سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإنكار من ابن مسعود رضي الله عنه يقضي على حجة أهل الاختراع والابتداع، فإنهم دائما يقولون: وأي مانع من الأذكار والصلوات والقرآن؟! ونحن لا نريد بها إلا الخير والتقرب إلى الله.
فيقال لهم: إن العبادة يجب أن تكون مشروعة في أصلها وفي هيئتها وكيفيتها، وما كان منها في الشريعة مقيدا بعدد لم يكن لأحد أن يتجاوزه، وما كان مطلقا لم يكن لأحد أن يخترع له حدا، فيضاهي بذلك الشرع.
وما يؤكد هذا المعنى ما جاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله، فقد رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، فنهاه، فقال الرجل: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟!
قال: "لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة".
فانظر هذا الفقه من هذا التابعي الجليل رحمه الله. وذلك لأن السنة أن يصلي بعد طلوع الفجر السنة الراتبة ركعتين فقط ولا يزيد، ثم يصلي الفريضة. وقريب من هذا ما جاء عن الإمام مالك رحمه الله، فقد أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله! من أين أحرم؟
قال: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. (يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم) .
قال: " لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ".
فقال: وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها.
قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إني سمعت الله يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور / ٦٣.
فهذا فقه الصحابة والتابعين والأئمة، وأما أهل البدع فيقولون: وأي فتنة، إنما هي ذكر وصلاة وأميال نتقرب بها إلى الله!
فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بكلام هؤلاء، فإن الشيطان قد زين لهم أعمالهم، وكرهوا أن يخالفوا شيوخهم وأرباب طريقتهم.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
واعلم أنه ما ابتدع إنسان بدعة إلا وترك من السنة مثلها أو أعظم منها، ولهذا تجد أصحاب الأذكار المخترعة أجهل الناس بالأذكار النبوية التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلما يوجد منهم من يقول في صباحه ومسائه: سبحان الله وبحمده مائة مرة، أو يقول: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. أو يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده. أو يقول: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته.
إلى غير ذلك مما يمكنك الوقوف عليه في الكتب المعنية بأذكار الصباح والمساء وغيرها.
والحاصل أنه لا يجوز لك أن تشارك والديك في هذه الأذكار المبتدعة، بالأعداد التي ذكرت.
وأما ما ذكرته عن سورة الفيل، ورمي الأحجار عند قوله " ترميهم " فهذه خرافة وشعوذة، لا يجوز الإقدام عليها ولا التقرب إلى الله بها، وما أكثر الأعداء الذين واجههم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يدع عليهم بهذه الطريقة، وإنه ليُخشى أن يكون في ذلك تقرب إلى الشياطين واستعانة بهم.
وأما اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نورا، فهذا لا أصل له، ولم يرد به كتاب ولا سنة صحيحة، وقد أخبرنا الله تعالى أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، غير أن الله تعالى فضله بالوحي والرسالة، فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف / ١١٠.
وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) فصلت / ٦. ومن غلاة المتصوفة من يعتقد أنه نور، وأنه أول خلق الله، ومن نوره خلقت المخلوقات، وهذا كذب وضلال، وليس لهم فيه مستند إلا حديث باطل موضوع.
نسأل الله أن يجنبك ووالديك البدع وأهلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب