طرد زوجته من بيته ويريد منعها من الخروج من بيت أهلها للعمل فهل له ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ ٩ سنوات، وعندي ٤ أطفال - الحمد لله -، أصغرهم: سنة ونصف، مشاكلي مع زوجتي ابتدأت منذ أن اتهمتني زوراً بعلاقة مع زوجة أخي الذي يجاورني، يشهد الله عليَّ أني بريء، فإن كلمتُها كشَّرت، وغضبت، وإن دخلتُ بيت أخي: أسمعتني كلاماً جارحاً، أقسمتُ لها مراراً أني بريء دون جدوى، خفتُ من الفضيحة، ولم يكن أمامي سوى التوجه الى أخيها الأكبر - أبوها متوفى -، ثم أمُّها، ثم أختها، ولكن كلما واجهتها: كذبتني، وبحثت عن سترة بيتي وهدوئه بأي ثمن؛ اعتقاداً مني أنها ستنسى وتكف، صرت أتفادى المشاكل، والتقليل من الاحتكاك مع زوجة أخي، أو حتى أخي، إلى أن أصيب أخي بوعكة صحية منذ شهرين - وحتى هذه اللحظة يرقد في مشفى بعيد -، وبطبيعة الحال فلا بد من زيارته، وفي أحد الأيام رافقتني امرأته، ومعي أمي، وأخي الأصغر إلى المشفى، حين عدت بدأ الشجار، حينها فقدت أعصابي، ولم أعد قادراً على السكوت على هذا الوضع، فصرخت، وناديت أخي الأكبر، وحكيت مشكلتي، وما يدور في رأس امرأتي، حصل كل هذا أمامها، وسألها عن صحة ما أدَّعي فأجابت: " نعم، لا أطيقها؛ لأنها لا تغطي رأسها أحياناً، فأكيد أغار "، لم أتوقع سماع اعترافها، وشعرت بالخزي، والعار، وشفقة أخي المريض، تعذب ضميري، شعرت كم هي ظالمة، ومستهترة بأعراض الناس الذي هو عرضي، فثرت، وطردتها من بيتي، بعد دقائق جاء أخوها يهدد، ويتوعَّد، ورد عليه إخوتي بأن لحقوه حتى بيته، وضربوه، في اليوم التالي بعثتُ لها ابنتي الصغيرة - سنة ونصف - لأني لا أجيد التعامل معها مثل إخوانها، لم ينتهِ اليوم وإذا بي أسمع أنها أعادتها مع ولد صغير إلى بيت أهلي، والطفلة تصرخ مرتعبة، لم أصدق ما سمعت، واتصلت أسألها إن كانت فعلا رمت بنتها في الشارع أم لا، فقالت: " نعم، لا أريدك، ولا أريد أولادك "، وكررت هذه الجملة، بعد أسبوع اتصل بي أخوها يطلب الجلوس معي للتفاهم، وفعلا ذهبت، وتكلم معي بحذاقة، ودبلوماسية، يقصد هدفاً أنا أدركه أصلاً، فهذا الأخ يناديني كي أحضر له حقيبتها المدرسية لتذهب الى عملها – معلمة - بحجة تغيير جو، ثم بعد ذلك بيوم أحضر أنا، وأرجعها إلى بيتها، قمت من مكاني مباشرة وقلت له: " مستحيل، هذا بدل أن تسأل عن أولادها؟ هذا ما يهمها؟ المدرسة؟ يا خسارة!! "، وخرجت، فقال: " لا تعقد الأمور علينا، حلها؛ خوفاً من كلام الناس "، قلت له: " من لا يخشى الله لا يخشى كلام الناس، أما أنا وأولادي: فلنا الله يرحمنا برحمته، ويصبرنا على مصيبتنا ". آسف للإطالة، ولكني أردت سرد ألمٍ يكتم أنفاسي منذ زمن، والاستعانة بالله عز وجل، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كي لا أضل طريقي. سؤالي عن حكم الإسلام والدين في هذا الوضع، وهل يحق للزوجة الخروج من بيت أهلها، حتى وإن كان للعمل؟ . أرجوكم، انصحوني، ماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما فعلتُه زوجتك من الطعن في عرضك وعرض زوجة أخيك مما لا يحل لها، والطعن في أعراض الناس من كبائر الذنوب، فالواجب عليها التوبة من هذا الطعن وذاك الاتهام، وأن تحفظ عليها لسانها، وإلا أوردها المهالك.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ ٥٨.
وفي الوقت نفسه فإننا ننبه إلى أن تساهل الناس في بعض الأحكام الشرعية، أو تهاونهم في التمسك بها يفتح عليهم أبواباً مغلقة لطائفتين: الأولى: شياطين الجن، ليكيدوا لهم، ويوقعوهم في المعاصي وفعل الآثام، والثانية: شياطين الإنس، لقذفهم، والطعن في أعراضهم، واتهامهم بما ليس فيهم.
وعليه: فإن الواجب عليك عدم التساهل – أو التهاون – في أحكام غض البصر، والاختلاط، والخلوة، وهو ما لعله كان السبب في وجود الريبة عند زوجك – وهذا ليس عذراً لها -، ومثله يقال لزوجة أخيك، فإنه يجب عليها الالتزام بأحكام الشرع من التزامها بالحجاب، ومن غض البصر، وغير ذلك مما وقع الناس فيه بسبب خلطة الأقرباء دون الالتزام بضوابط الشرع.
ولو تأملنا حق التأمل في قصتك: لوجدنا مخالفات شرعية وقع فيها الجميع، وأدَّت إلى هذا الذي قصصته علينا في سؤالك هذا.
ثانياً:
ما كان ينبغي لك طرد زوجتك من المنزل، وكان الواجب عليك الالتزام بما شرعه الله للأزواج في حال حصول النشوز من الزوجة، وهو الوعظ، ثم الهجر في الجماع، ثم الضرب غير المبرح، وقد أمر الله تعالى الأزواج بإسكان زوجاتهم حيث سكنوا، قال تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) الطلاق/ ٦.
وقد نهى الله تعالى الأزواج في حال الطلاق أن يُخرجوا زوجاتهم من بيوتهم، إلا في حال ارتكاب فاحشة الزنا، بل إن الله تعالى نسب البيت لها فقال: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) ، فكيف والطلاق لم يحصل، ولم ترتكب ما يستوجب طردها؟! .
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) الطلاق/ ١.
قال القرطبي – رحمه الله -:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) أي: ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح، ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت: أثمت، ولا تنقطع العدة.
والرجعية والمبتوتة في هذا سواء، وهذا لصيانة ماء الرجل.
وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) الأحزاب/ ٣٤، وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) الأحزاب/ ٣٣، فهو إضافة إسكان، وليس إضافة تمليك.
" تفسير القرطبي " (١٨ / ١٥٤) .
وعندما رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تأديب نسائه، وتربيتهن: هجرهن، وبات في المسجد شهراً كاملاً.
عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِى مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: (إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ) .
رواه البخاري (١٨١٢) .
وخروج الزوجة من بيت الزوجية له آثار سيئة عليها، وعلى أولادها، وعلى أهلها، فكان الواجب الالتزام بما شرعه الله تعالى لك عند حصول النشوز منها، وإن لم ينفع شيء منها: فتأتي بحكَم من أهلك وحكَم من أهلها، ويضع هؤلاء الحكام العقلاء الأمور في نصابها، وقد يكون الطلاق في نهاية الأمر هو الخير لك، ولها، والمهم أن يكون ذلك بعد سلوك الطريق الشرعي لمثل هذه الخصومات.
ثالثاً:
أما بخصوص خروج زوجتك من عند أهلها لعملها في التدريس: فإنه لا حرج عليها في ذلك، بشرط أن يكون مجال عملها مباحاً، ليس فيه اختلاط، وأن يكون الوصول إلى العمل والرجوع منه مأموناً، ولا سلطة لك عليها في المنع من الذهاب؛ لأنها الآن في رعاية أهلها ومسئوليتهم، والمنع من الخروج إلا بإذن الزوج إنما هو في خروجها من بيت " زوجها "، لا " أهلها "، إلا أن يكون هو أرسلها لبيت أهلها، فتجب عليه الطاعة مطلقاً، ثم إنها كانت تعمل وهي عندك، فليس خروجا جديدا، أو شيئا لم تعهده وهي عندك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا متزوجة، ولله الحمد، وأعمل في إحدى المدارس معلمة رياض أطفال، وزوجي موافق على هذه الوظيفة، ومن شروط العمل أن يوقع ولي أمري (زوجي) عقداً بالموافقة على العمل بدون انقطاع مفاجئ عن العمل، وفي إحدى الأيام حدث خلاف بيني وبين زوجي، فقال لي: اذهبي إلى أهلك، وأمرني أن أذهب، وعندما أوصلني لم يخبرني، ولم يأمرني بأن ألزم بيت أهلي بدون خروج، فقمت أنا وأمرت أخي الكبير أن يأخذني عنده ريثما أنهي تدريسي، وخاصة كانت فترة امتحانات نهائية (أسبوعين) ومن الصعب إحضار معلمة بديل تجلس مكاني، وعندما علم زوجي بأني ذهبت عند أخي غضب غضباً شديداً، وقال: أنت خرجت من غير إذني، رغم أنني خرجت من بيت أهلي إلى بيت أخي؛ لأن المدرسة كانت قريبة من عند أخي، وتمشياً مع العقد الذي وقعه زوجي بالموافقة على التدريس والاستمرار فيه بدون انقطاع، وطلب مني أن أرجع إلى بيت أهلي، وأن أمكث فيه ريثما تنتهي المشكلة، ولكن رفضت بحكم عملي الذي لا يسمح لي بالغياب، وهكذا انتهيت من التدريس حيث كانت الفترة فقط أسبوعين، وتأتي الإجازة، هذه المدة (١٤) يوماً رجعت من عند أخي إلى بيت أهلي، وانتهت المشكلة بتوسيط أهل الخير، وعدت إلى منزلي.
ولكن سؤالي: هل أنا أعتبر عاصية لأني خرجت من غير إذنه (أي: زوجي) رغم أنه ملزم بعقد المدرسة لمدة سنة كاملة، وهو يعاتبني كثيراً، ويقول بأني من المفروض أن أطيعه وأعود إلى منزل أهلي حتى لو كان ملزماً بعقد، وإنني محتارة في أمري جدّاً، وهل يجوز له أن يخل بعقد نظام العمل؟ .
فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذكرت في السؤال، من موافقته على عملك في التدريس: فلا حرج عليك في ذلك؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة / ١؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) – متفق عليه -.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٩ / ١٦٦ – ١٦٨) .
وتجد في جواب السؤال رقم: (٨٧٨٣٤) تفصيل القول في مسألة خروج الزوجة من بيت زوجها.
على أنه إذا كان مرادك من منعها من الخروج إلى المدرسة وهي عند أهلها، أن تضيق عليها، حتى تعود إلى بيتها وأولادها، وتأديبها على ما حصل منها من الإساءة في حقك وحق أهلك، فإننا لا نرى مانعا من ذلك، خاصة إذا كان خروجها سيزيدها أشرا وبطرا، ويوهمها أنها سوف تستغني براتبها عن قوامة زوجها ونفقته، وتستغني بخلطتها وعملها عن أنس الزوج والأولاد والبيت.
رابعاً:
لا ندري كيف هو قلبها حتى تلقي بابنتها الصغيرة هكذا، وقد جبل الله تعالى الأمهات على العطف والحنان على أولادهن، بل حتى الإناث من البهائم تحن على أولادها، بما صار بعض صور ذلك من الأمثال السائرة الدارجة، فكيف هات عليها ابنتها، بل كل أولادها أن تتخلى عنهم؟! .
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا.
رواه البخاري (٥٦٥٣) ومسلم (٢٧٥٤) .
ومن أحكام الشريعة المطهرة أن قدم الزوجة في حضانة الأولاد، حتى تتزوج، أو يصلوا سن التمييز فيخيرون – على خلاف في التفريق بين الأنثى والذكر – وكل ذلك من أجل ما جبلها الله عليها من عطف وحنان، ومن قدرتها على رعاية أولادها في هذا السن دون زوجها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
ولما كان النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها: لذلك قدمت الأم على الأب.
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البُضع: قدِّم الأب فيها على الأم.
فتقديم الأم في الحضانة من محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال والنظر لهم.
وتقديم الأب في ولاية المال والتزويج: كذلك.
" زاد المعاد " (٥ / ٥٣٧، ٥٣٨) .
والخلاصة:
١. ننصحك أخي السائل أن ترجع زوجتك لبيتك وبيتها، وأن تسعى في إيقاف طعنها واتهامها لك، ولزوجة أخيك، وذلك بالتفاهم معها، وبيان تحريم فعلها، ولا بأس أن تستعين على ذلك بأهلها.
٢. ننصحك بترك ما يمكن أن يكون قد وقع منك في تساهلك في التعامل مع زوجة أخيك، من الخلطة، والخلوة، والمحادثة، وغير ذلك مما يحرم عليك، حتى لو لم تكن لك زوجة تنتقد عليك أفعالك.
٣. ننصحك أن تصبر على ما ترى من زوجتك، وأظهر لها خطأ ظنها وريبتها بما تظهره من حقيقة الالتزام بطاعة الله، والوقوف عند حدوده.
٤. اجعل الطلاق آخر ما تفكِّر به، واعلم أن الشيطان أكثر ما يفرحه انهدام أعمدة بيت مسلم، فلا تفرحه بهذا.
ونسأل الله أن يهديكما لما يحب ويرضى، وأن يجمع بينكما على خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب