التحذير من أنشودة " نون نون "
[السُّؤَالُ]
ـ[تردد في الآونة الأخيرة أناشيد للأطفال، بغض النظر عما تحويها من محاذير، ولكن لفت انتباهي كلِمات تِلك الأنشودة التي تقول (نون نون قلمٌ مِن وحيّ القُرآن, نون نون يكتُب لي شِعراً موزون، شِعرا ينبِضُ بالإيمان....الخ) فما حُكم تِلك الكلمات؟ هل الشعرُ هُنا عائِد على القُرءان؟ أم عائِد على القلم؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سلَّى الله عز وجل نبيه عما يصيبه من أذى قومه، وكفرهم به، وتكذيبهم له، فأقسم جل جلاله أنه على الحق، وأن ما جاء به من الدين دين عظيم جليل، لا مدخل فيه للسحر ولا للكهانة ولا للجنون، على ما يقوله أعداؤه المجرمون.
قال الله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم/١-٤.
وأشهر ما قيل في تفسير (ن) أنها حرف من حروف الهجاء، كالمعهود في نظائرها في بقية السور، مثل (ق) ، (ص) ونحو ذلك.
وقيل: هي الدواة التي يستمد منها القلم حبره.
وقيل: إنها الحوت الذي تحت الأرض السابعة. وقيل غير ذلك.
وأما القلم، فهو القلم، لكن اختلف أهل العلم هل المقصود به عامة الأقلام التي يعهدها الناس، ويكتبون بها، أو المقصود به قلم معين، وهو الذي خلقه الله تعالى أول الخلق، وأمره بكتابة ما هو كائن في اللوح المحفوظ.
ينظر: "تفسير الطبري" (٢٣/٥٢٣-٥٢٧) ، تفسير ابن جزي (٢٤٣٨) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام: من آيات الله العظيمة، التي تستحق أن يقسم الله بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه وإحسانه، حيث من عليه بالعقل الكامل، والرأي الجزل، والكلام الفصل، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام، وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الآخرة فقال: {وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا} أي: عظيمًا، كما يفيده التنكير {غير ممنون} أي: غير مقطوع، بل هو دائم مستمر، وذلك لما أسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة والأخلاق الكاملة ". انتهى.
"تفسير السعدي" (٨٧٩) .
ثانيا:
ما جاء في الأنشودة المشار إليها من قولهم (نون قلم من وحي) غير صحيح، فلم يقل أحد إن (نون) هي القلم، بل الآية عطفتهما عطف مغايرة (ن والقلم) فنون غير القلم.
وقولهم (.. من وحي القرآن) باطل، بل كذب وعدوان؛ فإن هذا القلم الذي يتغنون به ليس من وحي القرآن، بل الذي من وحي القرآن هو سورة القلم، على ما أنزلها الله جل جلاله، وأما أن يقول القائل كلاما من عنده، ثم يزعم أن ذلك من وحي القرآن، فهذا من أعظم الباطل والعدوان، والكذب على كتاب الله جل جلاله، وإن كان يغلب على الظن جهل المؤلف لذلك، والقائل له، وإنما جرهم إلى ذلك سجع الكهان الذي تكلفوه، كما كان يتكلفه مسيلمة الكذاب، ونحوه من الكهان والدجاجلة.
ثم إن القلم الذي هو من وحي القرآن لا يكتب شعرا موزونا، بل وحي القرآن شيء، والشعر شيء آخر. قال الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ؛ فنزه الله تعالى نبيه عن قول الشعر، ونزه كتابه وكلامه عن أن يكون شعرا، وإنما هو قرآن مبين.
وأيا ما كان مراد القائل من قوله (شعرا) هل يعود على القرآن، وهو مستبعد جدا، لا يقوله مسلم، أو يعود على القلم، فقد أوقعه في الحرج زعمه أن هذا القلم هو من وحي القرآن، وهو قول باطل، معنى وواقعا.
والواب على كل قائل، من شاعر وغيره، أن يتخير لنفسه من الكلام الحسن ما فيه متسع لقوله، دون أن يوقع نفسه في حرج شرعي، أو يتكلف سجع الكهان، أو يقع في محاكاة القرآن، ونحو ذلك من الأخطاء.
والواجب الحذر من هذه الأنشودة ونحوها، ومناصحة من يتغنى بها، أو يستمع إليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب