للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مبتلى بحب المردان فكيف يتخلص من مرضه هذا؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ابتليت بحب المرد والرغبة عن النساء، ربما بسبب تجارب سيئة في طفولتي، أصابر ما استطعت، وأغض بصري، وأعلم أن هذا حرام، ولا أستحله، وأستغفر الله منه، وأدعو " اللهم طهر قلبي وحصِّن فرجي "، لا أظن الزواج حلاًّ لي لأني لا أجد رغبة في النساء، أصوم الاثنين والخميس، ولكن هذا الأمر لا يزال في قلبي، ما العمل؟ وهل هناك ما يعوضني في الجنة؟ أستغفر الله إن كان هذا اعتداء في السؤال.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً، وتصيبه في دينه فيهلك، ويختم له بشر، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر.

قال ابن القيم رحمه الله:

" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً، فاشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه، حتى وقع، ألماً به، ولزم الفراش بسببه، وتمنَّع ذلك الشخص عليه، واشتد نفاره عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده، فأخبر بذلك البائس، ففرح، واشتد سروره، وانجلى غمه، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، فرغبت إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني، وفرح بي، ولا أدخل مداخل الريب، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى، وانصرف، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول فى تلك الحال:

أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل

رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل!!

فقلت له: يا فلان اتق الله، قال: قد كان!!

فقمت عنه، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت!

فعياذاً بالله من سوء العاقبة، وشؤم الخاتمة " انتهى.

" الجواب الكافي " (ص ١١٧) .

فما رأيك أخي السائل؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك -: فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك.

واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط، وهو العشق للمردان، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم، فقلب الله تعالى ديارهم، وخسف بهم، ورجمهم بالحجارة، وطمس أعينهم.

قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق:

"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه: وهو عشق المردان، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله، وطرد عن بابه، وأبعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله، كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق، قال الله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) " انتهى.

" الجواب الكافي" (ص ١٧٣، ١٧٤) .

ثانياً:

واعلم أن هذا البلاء له أسباب، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه، فمن أراد النجاة مما هو فيه: فليقف على هذه الأسباب، وليتخلَّص منها، وإلا فهو راضٍ عن حاله، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله:

١. ضعف الإيمان، وبُعد القلب عن حب الله تعالى، وقلة الخوف من عقابه.

٢. إطلاق النظر للمردان، والتمتع بجمالهم وهيئتهم.

وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما ترك الأمر ووقع في النهي: أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه، فقضى عليه.

قال ابن القيم رحمه الله:

"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولِّد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده ".

"الجواب الكافي" (ص ١٠٦) .

ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء.

قال النووي رحمه الله:

"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة، سواءً كان بشهوةٍ أم لا، سواءً أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى -، ودليله: أنه في معنى المرأة، فإنه يُشتهى كما تشتهى، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر: وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى.

" شرح مسلم " (٤ / ٣١) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"والنظر إلى وجه لأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو شهوة التلذذ بالنظر، فلو نظر إلى أمِّه، وأخته، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية: كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى.

" مجموع الفتاوى " (١٥ / ٤١٣) و (٢١ / ٢٤٥) .

وقال - رحمه الله – أيضاً -:

ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه، أو أدامه، وقال: إني لا أنظر لشهوة: كذب في ذلك، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر: لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره.

" مجموع الفتاوى " (١٥ / ٤١٩) و (٢١ / ٢٥١) .

ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى: ما يشاهدونه في القنوات الفضائية، والصحف والمجلات، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان، وهو ما يهيجهم على الفاحشة.

٣. التقصير في الواجبات والنوافل.

ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها، وبشروطها وواجباتها: لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/٤٥، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل؟! .

٤. هجر القرآن، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة.

وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي، وهو خير علاج لمن وقع فيها.

وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء: اتخذهم قدوة له، وأنس بصحبتهم، وترفع عن الرذائل والقبائح.

٥. التقصير في طلب العلم.

فالعلم نور، وبه يعرف الحلال فيفعله، والحرام فيجتنبه، وبه يتعرف على ربه تعالى، على أسمائه وصفاته وأفعاله، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة.

٦. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين.

ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة، والرياضة، والأعمال المباحة، وطلب العلم: لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها.

٧. اتخاذ أصدقاء السوء، وجلساء الشر.

وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة.

٨. ترك الزواج.

وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية، وجعلها تصريفها في النساء، والطريق المباح لذلك هو الزواج، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور، وينزل بذلك عن درجة البهائم، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً؟

ثالثاً:

ومن أراد علاج مرضه، والتخلص من بلائه: فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان، وليتخلص منها بتركها، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان، والمشي في طريق رضا الرحمن، ومنها:

١. تقوية الإيمان بالطاعات، ومنها الصوم، وتعمير القلب بمحبة الله، واستشعار الخوف من عقابه.

٢. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً، وترك الخلوة بهم، ولو لتدريس القرآن.

قال النووي رحمه الله:

"والمختار: أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى.

" شرح النووي " (٩ / ١٠٩) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وأما صحبة المردان، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم، كما يفعلونه، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن، ومبيته مع الرجل، ونحو ذلك: فهذا من أفحش المنكرات، عند المسلمين، وعند اليهود والنصارى، وغيرهم " انتهى.

" مجموع الفتاوى " (١١ / ٥٤٢) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

"قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى.

" الشرح الممتع " (١ / ٢٩٤، ٢٩٥) .

٣. المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والحرص على فعل الرواتب والنوافل.

٤. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم.

٥. طلب العلم، قراءة وسماعاً ومشاهدة، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً.

٦. إشغال الوقت بالطاعة، وبما هو مفيد لدينه ودنياه.

٧. هجر الصحبة الفاسدة، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم.

٨. السعي المباشر للزواج؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح.

٩. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء.

١٠. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله –.

قال ابن القيم:

ودواء هذا الداء الردي: الاستعانة بمقلِّب القلوب، وصِدق اللجأ إليه، والاشتغال بذِكْره، والتعوض بحبِّه وقربه، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه، فإذا دِمت نفسه على هذا وآثرته: فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة، وليعلم أن البلاء قد أحاط به.

"الجواب الكافي" (ص ١٧٤) .

ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (٢٧١٧٦) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>