الاستدانة من أجل الدخول في المساهمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يستدين من أجل الدخول في المساهمات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للإنسان أن يتوسع في الاستدانة، بل ينبغي أن لا يستدين إلا لحاجة أو ضرورة.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، روى البخاري (٨٣٣) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. [والمغرم هو الدين] فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بقضاء الدين:
فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه البخاري (٤٨٨٨) .
ومن خطورة الدين: أن الشهيد الذي مات في سبيل الله في المعركة، لا يغفر له الدين.
روى مسلم (١٨٨٦) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن) .
وروى النسائي (٤٦٠٥) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ! فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي (٤٣٦٧) .
فلهذه الأدلة - وغيرها – ينبغي للإنسان ألا يتوسع في الديون، فيقترض لحاجة، ولغير حاجة، أو يقترض مبالغ كبيرة من أجل الدخول بها في تجارة، ولا يدري قد لا يوفق في هذه التجارة، فماذا سيكون تصرفه؟ وكيف يمكنه أن يسدد مبالغ كبيرة من راتبه الذي لا يكاد يكفيه؟!
ولهذا، فعلى العاقل أن يقنع بما رزقه الله من الرزق الحلال، ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا والمال، وإنما ينظر إلى من هو تحته، وأقل منه مالاً، فإن كان راتبه لا يكفيه، فليبحث عن عمل آخر، يرزقه الله تعالى منه ما يكفيه، أما أن يخاطر ويقترض ما يعجز عن تسديده، فهذا مما لا ينبغي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم المساهمة مع الشركات؟ وما حكم الاقتراض لشراء الأسهم؟
فأجاب: "وضع الأسهم في الشركات فيه نظر، لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً، وهذا من الربا، فإن صح ذلك فإن وضع الأسهم فيها حرام، ومن كبائر الذنوب؛ لأن الربا من أعظم الكبائر، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر.
وأما استدانة الشخص ليضع ما استدانه في هذه الأسهم فإنه من السفه، سواء استدان ذلك بطريق شرعي كالقرض، أو بطريق ربوي صريح، أو بطريق ربوي بحيلة يخادع بها ربه والمؤمنين، وذلك لأنه لا يدري هل يستطيع الوفاء في المستقبل أم لا، فكيف يشغل ذمته بهذا الدين، وإذا كان الله تعالى يقول: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ولم يرشد هؤلاء المعدمين إلى الاستقراض مع أن الحاجة إلى النكاح أشد من الحاجة إلى كثرة المال، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد من لم يستطع الباءة إلى ذلك، ولم يرشد من لم يجد خاتماً من حديد يجعله مهراً إلى ذلك، فإذا كان هذا، دل على أن الشارع لا يحب أن يشغل المرء ذمته بالديون، فليحذر العاقل الحريص على دينه وسمعته من التورط في الديون " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (١٨/١٩٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب