للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرعاية الصحية للمسجونين في الإسلام

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي بحث عن جودة العناية الصحية في السجن، فهل للمسجونين نفس الرعاية الصحية التي يلقاها بقية الناس؟

ما هو رأي الإسلام في المساواة في هذا الشأن؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته.

ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين: أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن.

أولاً: الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية:

١ - سجن المريض: بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه. فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن، جاز سجنه، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه.

٢ - إذا مرض السجين داخل السجن: إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك. وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه، فناداه: يا محمد يا محمد، فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني. فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته. رواه مسلم ٣/١٢٦٣. ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض.

أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه.

هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية (النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه. كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه.

٣ - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير.

٤ - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن، حفاظا عليه وعلى أهله.

٥ - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض.

ثانياً: الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن:

ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة.

ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة.

ثالثاً: هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه:

١- التمثيل بالجسم: فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمثلوا) رواه مسلم ٣/١٣٥٧.

٢- ضرب الوجه ونحوه، لما فيه من الإهانة، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون.

٣- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه.

٤- التجويع والتعريض للبرد، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه، أو منعه من اللباس، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية.

٥- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي.

٦- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة: ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين.

صور من اهتمام المسلمين بالسجناء:

- الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا.

- كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم.

- كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول: انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى.

- جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية ١٥٠٠ دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه.

- لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا. وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله.

- وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له: (فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون - وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم، وتحمل لهم الأدوية والأشربة، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي. للمزيد يُراجع: أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص٣٦٧-٣٧٩، والموسوعة الفقهية ج١٦ ص٣٢٠-٣٢٧.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>