أحاديث في اقتران الإجابة بالدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة صحة هذه الأحاديث: ١- روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: (من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول ادعوني استجب لكم) . ٢- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماكان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكبر من ذلك) . انظر: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب معزوا للطبراني، وعزاه الهيثمي في شرح الأربعين للطبراني، وعزاه في كنز العمال للديلمي. وفي الحلية لأبي نعيم عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) انظر الفتح الكبير. ٣- روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) . ٤- روى أبو يعلى بإسناده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أربع خصال واحدة منهن لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي فأما التي لي لا تشرك بي شيئا وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ماترض لنفسك) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه الأحاديث تتعلق بموضوع واحد، وهو باب اقتران الإجابة بالدعاء، وهي – وإن كانت ضعيفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن القرآن الكريم جاء بمقتضى ما فيها، ويشهد لمعانيها، حيث يقول الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/١٨٦.
غير أن الإجابة التي وعد الله بها يجب أن تسبقها بعض الشروط التي تحقق القبول عند الله عز وجل.
قال الطبراني في "المعجم الصغير" (٢/١٩٨) :
" وقد افتتن جماعة ممن لا علم لهم، بأن يقولوا ندعوا ولا يستجاب لنا، وهذا رد على الله عز وجل؛ لأن الله يقول وقوله الحق: (ادعوني استجب لكم) وقال: (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، ولهذا معنى لا يعرفه إلا أهل العلم والمعرفة، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم: روى أبو سعيد الخدري وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا استجاب له، فهو من دعوته على إحدى ثلاث: أما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن تدخر في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثلها) " انتهى.
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (١/٣٩٢) :
" لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة، مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه " انتهى.
ثانيا:
أما أحكام الأحاديث الواردة في هذا السؤال، فهي على الوجه الآتي:
١- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أَعطَى أربعًا أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتاب الله:
من أعطى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: (اذكروني أذكركم) .
ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة؛ لأن الله يقول: (ادعوني استجب لكم) .
ومن أعطى الشكر أعطي الزيادة؛ لأن الله يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) .
ومن أعطى الاستغفار أعطي المغفرة؛ لأن الله يقول: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) .
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٧/١١٧-١١٨) وفي "المعجم الصغير" (٢/١٩٨) ، ومن طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١/٢٤٧) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/٨٣٩) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٤/١٢٦) ، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/٥٣٢) ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (١/٣٦٠) لابن مردويه. وذكره الواقدي في "فتوح الشام" (٢٦٦) .
كلهم مِن طريق:
محمد بن إسحاق بن موسى المروزي قال حدثنا محمود بن العباس صاحب بن المبارك قال حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه به.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا هشيم تفرد به محمود بن العباس.
ومحمود بن العباس هذا قد اتهمه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (٤/٧٧) بوضع الحديث، وقال: "له خبر منكر. ثم ذكر هذا الحديث " انتهى.
وقال في "تلخيص العلل المتناهية" (ص/٣٠٧) : باطل.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/١٥٢) : " فيه محمود بن العباس وهو ضعيف "انتهى.
وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به محمود بن العباس وهو مجهول " انتهى.
فهذا حديث ضعيف جدا، لا يصح بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
٢- وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما كان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكرم من ذلك)
فقد جاء من طريقين عن أنس رضي الله عنه:
الأولى: عن جعفر بن محمد بن بريق قال حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي قال حدثنا الحسن بن محمد البلخي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه به.
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (١/٢٤٢) ، وقال: لا أصل له. ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (٣/١٧١)
وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن محمد البلخي، قال فيه العقيلي: منكر الحديث ولا يتابع عليه وليس له أصل.
الثانية: عن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال: حدثنا حبيب قال: حدثنا محمد بن عمران، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس مرفوعاً لكن بلفظ: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) .
رواه أبو نعيم في "الحلية" (٣/٢٦٣) وقال: "حديث غريب من حديث ربيعة، تفرد به حبيب كاتب مالك عن محمد عنه" انتهى.
وهذا إسناد ضعيف جدا أيضا، بسبب حبيب بن أبي حبيب، فهو متروك، وكذبه بعض أهل العلم، انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (٢/١٨٢) ، وعبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال فيه الدارقطني: متروك الحديث. انظر "لسان الميزان" (٣/٤١٣) .
ولذلك حكم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/٤٤١٦) على هذا الحديث بقوله: موضوع.
٣. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) .
فلم نجده بهذا اللفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى الترمذي، والظاهر أنه يقصد الحكيم الترمذي صاحب "نوادر الأصول"، وليس الإمام أبا عيسى صاحب السنن، وكتب الحكيم الترمذي تتفرد بالموضوعات والمناكير كثيرا، فلا يعول عليها إن لم تذكر فيها الأسانيد الصحيحة.
أما صاحب السنن أبو عيسى الترمذي، فقد روى نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما (٣٥٤٨) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) .
وهذا أيضا حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ، وَهُوَ الْمَكِّيُّ الْمُلَيْكِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١١/١٤٥) : إسناده لين.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
٤. وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أَرْبَعُ خِصَالٍ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي:
فَأَمَّا الَّتِي لِي: فَتَعْبُدُنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا.
وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عَلَيَّ: فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ.
وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الإِجَابَةُ.
وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ)
رواه أبو يعلى في "المسند" (٥/١٤٣) ، والبزار في مسنده برقم (١٩) "كشف الأستار"، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/١٥١، ٥٣٣) :
كلهم من طريق صالح المري قال: سمعت الحسن، يحدث عن أنس بن مالك به.
وصالح المري وهو ابن بشير بن وداع، جاء في "تهذيب التهذيب" (٤/٣٨٣) تضعيف عامة المحدثين له، قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ضعيف ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع" (١/٥١) : " في إسناده صالح المري وهو ضعيف، وتدليس الحسن أيضا، والمحمل هنا على صالح بن بشير المري، فهو ضعيف جدا، وقد تفرد به " انتهى.
وقال ابن عدي في "الكامل" (٥/٩٦) : منكر.
فالحاصل أن هذه الأحاديث المسؤول عنها كله ضعيفة لا تصح، ويغني عن هذه الأحاديث الآيات التي ذكرناها، والتي فيها وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب