للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معنى (الخبيثات للخبيثين) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. فما هو تفسير آية (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث، وأكثر حديثها كذب وخداع، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين، ولمن أراه من الصالحين، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة، وهل سأجد من تعينني على الصلاح، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله، وبالذات لما كنت أرى علامات منها، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير، ولا أزكى نفسي، ولكني - والله - أحب دينه، وأغار عليه بشدة، وأبغض الكذب بغضاً شديداً، باختصار: فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار، إلا برحمة وفضل من الله، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها؟ أعلم أنه بلاء من الله، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/ ٢٦، فقال بعضهم: هو الخبث والطِّيب في الأقوال، فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول.

وقال آخرون: هو الخبث والطيب من الأفعال، فيكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال.

والقول الثالث في الآية: أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح، فيكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء.

ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول، وعليه الجمهور من المفسرين، ويليه: القول الثاني.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:

(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له، وكل طيِّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال مناسب للطيب، وموافِق له، ومقترن به، ومشاكِل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته: أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقن، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.

فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال:

(أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا.

(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب.

(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم.

" تفسير السعدي " (ص ٥٦٣) .

ثانياً:

ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة، ويستحق فاعله القتل على الردة.

وفي " الموسوعة الفقهية " (٢٢ / ١٨٥) :

اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها: فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها الله منه -: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، فمن عاد لذلك: فليس بمؤمنٍ.

وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ؟ .

قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة: إنّهنّ مثلها في ذلك، واستدلّ لذلك بقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) .

والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه، وذلك ممنوع.

والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة: أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة، وسابّهنّ يجلد، لأنّه قاذف.

انتهى

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

قذْف عائشة بما برأها الله منه: كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم، أصحهما: أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن (الخبيثات للخبيثين) .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (٥ / ص ٨٦) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٩٥٤) .

ثالثاً:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) .

رواه البخاري (٤٨٠٢) ومسلم (١٤٦٦) .

ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله، وتقوم بخدمته، وتربي أولاده، وتحفظ ماله وبيته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها، ومنهم من ينكحها لحسبها، ومالها، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته، وعادته، وعرفه، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين، والاقتران بها؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه، وفي بيته، وعلى أولاده.

ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق، فما تزال أمة الإسلام بخير، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام، ويتربين عليه.

ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها.

والناس يعرف بعضهم بعضاً، ويختلط بعضهم ببعض، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم، وجيرانهم، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد، والمدرسة، والزيارات، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة، والالتزام بالشرائع الظاهرة، والأخلاق في التعامل مع الآخرين، وما يخفيه أحدهم في باطنه: فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها.

ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك، وعلم باطنك؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال، وذلك بحسب ما يظهر منهم، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى، وعلى الأخلاق الفاضلة، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله ليه وسلم، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك.

ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار، وأن يرزقك زوجة صالحة، تعفُّك، وتعفها، وتُحسن إليها وتُحسن إليك، وأن يرزقكم ذرية طيبة.

ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين: (٢٦٧٤٤) و (١٠٣٧٦) .

والله الموفق

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>